«عنقاء» الشعوب العربية والتواطؤ الدولي!

تم نشره الخميس 12 أيّار / مايو 2011 01:12 صباحاً
«عنقاء» الشعوب العربية والتواطؤ الدولي!
راكان المجالي

 
كأنّها عنقاء عربية بالفعل، تنهض من رماد نارها من جديد.

فأسطورة الشخصية العربية التاريخية، وبكلّ المخاطر المحيطة بها، ها هي اليوم تتفوّق على نفسها، وعلى نحوٍ يُفاجىء أصحابها وشعوب العالم، على حدٍّ سواء..!.

اذ ليس هذياناً، ذلك الصراخ الذي انفلت مِن المواطن العربي التونسي، كأنّه عواءُ ذئابٍ مثخنة بجراحها. فالرجل، الذي تناقلت الفضائيات صراخه، في ليلة هروب الرئيس المخلوع، هو ذلك العربي الحقيقي، الذي جاب بقاع الأرض، وطوى الصحارى والفيافي، منذ نحو ألفيةٍ ونصف الألفية، لينتج شخصيته الحضارية والانسانية البهية. شخصية مسختها وشوّهتها أنظمة القهر والاستبداد والخوف، في أقبية الظلام والعتمة والتدليس السياسي. فتهشّمت صورته الفعلية، حتى في داخل نفسه، ليفقد بعدها الأمل والرغبة في أيّة حياة..!.

في ليلة الهروب، كان العربي التونسي كمن يُحطّم، في داخله وحوله، عالماً بأكمله. عالمٌ هشٌ وبالغ الصلابة في آنٍ معاً؛ هشٌ لأنّه نسيجُ أوهامٍ وتدليس سياسي وخوف، وصلبٌ لأنّه صار واقعاً يصعب تخطّيه وتجاوزه، في حياة الناس لعقودٍ طويلة. فهانَ، بالتالي، في حياة الانسان العربي، كلّ شيء. وكَمَن فاضت في روحه الأنهار كلّها، راح يصرخُ بملء ما اتسعت شوارع تونس والعرب: "الشعب التونسي حر،الشعب التونسي ما يموتش، الشعب التونسي العظيم، معادش نخافو من حد، اتحرّرنا، تحيا تونس الحرة،المجد للشهداء، الحرية للتوانسة، يا توانسة، يا مهجّرين، يا توانسة يلّي شديتوا الحبوسات، يا توانسة يلّي عذبوكم، يا توانسة يلّي قهروكم، يا توانسة يلّي غبنوكم، يا توانسة يلّي سرقوكم، تنفسوا الحرية، شعب تونس أهدى لنا الحرية.

يحيا شعب تونس، تحيا تونس العظيمة، تحيا الحرية، المجد للشهداء، يا توانسة معادش خوف، بن علي هرب، بن علي هرب من الشعب التونسي، بن علي هرب، والشعب هو اللي يحكم.."، الى آخرِ ما جاشت به روحُ ذلك العربي التونسي، مِن فيضٍ وقهرٍ وانتصار..!.

بلا حِكَمٍ أو مزايدات، فأخذ كلامه المسترسل، وباللهجة العربية التونسية المحلية هيئة فصحى عربية، مثخنةٌ بالقهر والظلم، تنطلق من اسارها. فيا لهول ذلك الطغيان المدجّج بعافيته، ويا لفداحة عُمر الشخصية العربية، المسحوقة كرامتها، على امتداد طول جسدها الشاهق..!؟.

أما ذلك العربي التونسي الآخر، الذي بدا وكأنّه قادمٌ مِن جبال الملح والقصدير، فلم يكن يتحدث عن التونسيين وحدهم. اذ كان كَمن يجمع العرب كلّهم في راحتيه، ويُقطّرُ مظالم الكون في عربيته الفصيحة البسيطة، عقب هروب ابن علي: "لقد هرمنا.. هرمنا من أجل هذه اللحظة.."، ليُكمل بعدها ببكاءٍ مكتوم، وبهيبة شيب ما مسّ الخرابُ وقارَه في شيء..!؟.

والحقّ أنّ أجيالاً عربية هرمت بكاملها، من أجل لحظة تاريخية كهذه. ذلك أنّ أنظمة الطغيان كانت تحلم وتسعى الى الخلود والتأبيد، الذي هو الاستقرار. فالاستقرار، بالنسبة الى السياسة، هو بقاء كل شيء على حاله، بعد أن استقرت الأوضاع على ما هي عليه، ‏ومهما كانت سيئة. ذلك أنّ التغيير بالنسبة الى السلطات، أية سلطات، هو نقيض الاستقرار، بمعنى أن يظلّ كل شيء في ‏مكانه، بعد أن "استقرت الثروة في يد مجموعة صغيرة جداً.." من المجتمعات. ولا بد للاستقرار من سلطة تحميه، ‏بهدف حماية ثروات، يعرف أصحابها أنّها لم تكن من حقهم بالكامل، وأن تلك الثروات، في الأصل، لم تكن صنيعة ‏نشاط اقتصادي حقيقي لهم، بل جاءت من نفوذ سياسي خالٍ من الفعل والانتاج الاقتصادي الفعلي.

‏بالاستقرار يحلم رجال السياسة، ومهما كان ذلك الاستقرار يخفي من أمراض وعورات ومظالم. لهذا، يخوّفون الناس ‏من التغيير، أي تغيير، ويجري بثّ الرعب بينهم، ودفعهم للاستمتاع بنعمة "الاستقرار.."، الخالي من أية رغبة في ‏التغيير.

ولا يزال حاضراً، في الوجدان العربي، ما أشاعته السياسات الرسمية العربية، باستخدام واعادة انتاج مفهوم واحد فقط: الأوضاع مُستقرّة، الأحوال مُستقرّة، الاقتصاد ‏مُستقرّ، الأسعار مُستقرّة، الأمن مستقرّ، العلاقات الثنائية مُستقرّة...!.

شهوة تبحث عن خلود "ثروتها وسلطتها" بالاستقرار، تحت الشمس..؟! وهذه بالذات اللحظة التاريخية، التي تمّ كسر حلقة دورانها المتكرّر، لتتخلّد اللحظة ايّاها في الوجدان العربي، بنشيج العربي التونسي المكتوم: "هرمنا" مِن أجلها..!!؟. ‏وبتنويعٍ منقطع النظير، ولا حدّ له، تتقلّب الشخصية العربية، في استعادة ملامح بهائها التاريخي، بين نماذج الفعل الشعبي: التونسي والمصري والليبي..!؟ وعلى الرغم من بشاعة فِعل سلطة الطغيان الليبي، والارباك الرسمي العربي، فانّها تُقدّم تنويعاً آخر ومختلف، في القدرة على هزيمة أبشع أشكال القمع والطغيان البشري، في العصر الحديث..!.

وبموازاة نهوض العنقاء الشعبية العربية، من رمادها، الطويل والمتراكم، فانّ عالماً مهيمناً آخر، من الأفكار والقيم السياسية والدبلوماسية الغربية، ينهارُ أيضاً بشدّةٍ وعنف. فالتواطؤ الغربي، وعلى رأسه تواطؤ الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، بكل ما تبدّى فيه من انتهازية، في التعامل مع ابادة الشعب الليبي، من قبل نظام الطغيان الفاشي هناك، يدقُّ ويطرقُ بصخبٍ كل جدران القيم الانسانية، التي راكمتها الأمم المتحضّرة، في اجتماعها المعاصر..!؟.

لن يكون الفضاء العالمي والانساني كما كان، بعد عاصفة الشُهب، التي رافقت انعتاق العنقاء العربية من رمادها، الّلهم الا اذا اجتمع الكون بأسره ضدّها، لاعادة حرقها واحتراقها بنارها من جديد، لتعود الى سباتها الألفي ثانية..!؟. (الدستور)
 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات