حتى لا يصنف الأردن بلداً «غير صديق» للصحافة

ترابط دورية من شرطة النجدة أمام مكتب قناة الجزيرة في عمان منذ عدة أسابيع، والهدف كما هو واضح، حماية المكتب والعاملين فيه من تهديدات محتملة، لا سيما أن المكتب قد تحوّل إلى "قبلة" لاعتصامات وتظاهرات منددة بالقناة ومتوعدة لها وللعاملين فيها.. وهنا لا أريد أن أدخل في سجال حول ما إذا كانت هذه الاعتصامات عفوية أم موجهة، كيف وممن ولماذا وإلى متى؟!.
والاعتداء على الصحفيين أثناء تغطيهم للاعتصامات والتظاهرات، بات سلوكاً متكرراً، حتى أن اعتداءات كهذه "لم تعد خبراً" بالمعنى المثير والاسثنائي للكلمة.
لم تعد ساحاتنا وشوارعنا مكاناً آمناً لممارسة العمل الصحفي، خصوصا لأولئك الذين يجدون أنفسهم مضطرين لملاحقة الحدث أثناء وقوعه، وبالصوت والصورة، لقد اصبح المراسلون والمصورون بحاجة لاتخاذ ترتيبات أمنية خاصة بهم، قبل الانتقال من مكان إلى آخر، بات يتعين عليهم التحرك جماعات وليس فردانا... بات عليهم طلب الحماية من الشرطة أو منظمي المناسبة، كما حصل مؤخراً في الرمثا.
ومع استمرار هذه الممارسات، وتفاقم أعمال الاعتداء على الصحفيين، فقد بات من غير المستبعد أن يصنف الأردن في قائمة الدولة غير الصديقة للصحفيين، وغير الآمنة لممارسة العمل الصحفي... هذه حالة نكرهُ أن نصل إليها، نحن الذين طالما تغنينا بالأمن والأمان والاستقرار... لا نريد أن تكون الصحافة في بلادنا مهنة "مسجلة خطر" على أصحابها وممارسيها.
بقليل من المكاشفة والمصارحة نقول، أن ظاهرة كهذه، ما كان لها أن ترى النور، وأن تتفشى وتتفاقم، لولا التراخي الذي تبديه بعض الأوساط الرسمية ، في التعامل مع الظاهرة والعمل على اجتثاثها... ليس ثمة ما يشي بأن الذين اعتدوا من قبل على الصحفيين قد تلقوا العقاب الكافي والرادع... ليس ثمة ما يشير إلى وجود توجه جدي لاستئصال ظاهرة "البلطجة" التي بدأت بالاعتداء المتكرر على المتظاهرين، ولن تنتهي بالاعتداء المتكرر على الصحفيين.
الجسم الصحفي، على غير عادته، انتفض في مواجهة هذه الظاهرة... اعترض على مقدماتها ونتائجها... بدأ ذلك من دوار محمود الكايد، ولن ينتهي بالحملة التي بدأت مؤخراً بهدف حماية الصحفيين ووقف التعديات عليهم... وهذه مؤشرات مثيرة للارتياح، حتى وإن كانت في بداياتها المتواضعة.
لكن ما نود أن نؤكد عليه، ونحن في مستهل الحملة الوطنية لحماية الصحفيين، هو أن المجتمع المدني والأحزاب السياسية والرأي العام الأردني بجميع مكوناته وأطيافه، مطالب أيضاً بالانضمام لهذه الحملة، لا لأن الصحفيين هم مواطنون في المقام الأول، يستحقون الحماية والمعاملة اللائقة فحسب، بل ولأن حماية حق الصحفي في العمل الحر والمستقل والآمن، هو جزء من حماية حق المواطن في المعرفة والتعبير الحر عن الرأي، إذ من دون الصحافة الحرة والإعلام المستقل، لا معنى للحديث عن كل هذه الحقوق الأساسية. (الدستور)