«Game is over»

أغلق رئيس الوزراء الإسرائيلي الباب بإحكام في وجه إية محاولة لاستئناف المفاوضات وإنقاذ عملية السلام، ولم يكن خطابه أمام الاجتماع المشترك لمجلسي الشيوخ والنواب الأمريكيين، سوى تصريح بالانسحاب من هذه العملية، وإعلان حرب مفتوحة على الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني...ويمكن القول من دون تردد أن ما بعد الرابع والعشرين من أيار/مايو لا يشبه ما قبله، وأن ما كان يصح قبل هذا الخطاب، لم يعد كذلك من بعده.
نتنياهو أعاد التشديد على لاءاته الثلاث كما كان متوقعا: لا عودة لحدود حزيران 1967 بل إلى حدود يمكن الدفاع عنها...لا تقسيم للقدس، فهي العاصمة الأبدية الموحدة للدولة العبرية..لا عودة للاجئين الفلسطينيين إلى قراهم وبلداتهم التي شُرِّدوا منها، فإسرائيل دولة الشعب اليهودي، كانت كذلك منذ آلاف السنين وستبقى، وعلى الفلسطينيين الاعتراف بها على هذا النحو، بادئ ذي بدء، حتى وإن ضربوا عرض الحائط بذاكرتهم الجمعية وروايتهم التاريخية، وبكل ما تعلموه وعلّموه عبر السنوات والأجيال المتعاقبة.
لا جديد في مضامين خطابي نتنياهو، أما الإيباك المصغر، أو «الإيباك الموسع أو الاجتماع المشترك لمجلسي الكونغرس....جديده قديم، وقديمه لم يجلب سوى الحروب والويلات والخراب والاستيطان والعقوبات الجماعية...لكن جديد الخطابين يقع خارج نصّيهما، وربما يكمن في «نبرته» و»زمانه» و»مكانه.
من حيث النبرة، فقد طفح الخطاب بلغة عنصرية إستعلائية كريهة، تنضح بعبارات «الكرم» و»السخاء» و»التنازلات المؤلمة»، لكأن زعيم معسكر اليمين والمستوطنين والقادمين الجدد، يَمَنُّ على سكان البلاد الأصليين، بالسماح لهم بالاحتفاظ بأقل من خمس بلادهم الأصلية.
أما التوقيت، ففي كونه جاء «بعيد ساعات قلائل» من خطاب لرئيس الدولة الأعظم، ذكر فيه لأول مرة، خط الرابع من حزيران كأساس لترسيم الحدود بين دولتي الشعبين، مع تبادل متفق عليه للأراضي...وهو التصريح الذي أقام الدنيا على أوباما ولم يقعدها، إلا بعد أن سجل تراجعاً (القهقرى) إلى الوراء، وللمرة الثانية بعد «حكاية الاستيطان» إن كنتم تذكرون....نتنياهو نجح في إلحاق هزيمة شخصية بالرئيس الأمريكي مرتين في عامين، ولنا أن نتخيّل بقية القصة.
وفي الحديث عن المكان، نبلغ ذروة الاشمئزاز مما حصل في واشنطن قبل يومين، فالمنصة التي خاطب نتنياهو من فوقها مجلسي النواب والشيوخ، للمرة الثانية (المرة الأولى في أثناء ولايته الأولى)، في سابقة فريدة من نوعها...هذه المنصة وقفت عليها شخصيات عالمية وازنة، من أمثال نيلسون مانديلا وونستون تشيرتشل، قبل أن يلوثها من تلوث من رأسه حتى أخمص قدميه بدماء الفلسطينيين واللبنانيين، شيباً وشباناً، رجالاً ونساء وأطفال.
لقد كان مشهداً فارقاً حقاً...أعضاء الكونغرس بمجلسيه يعيدون تمثيل مشاهد من تجربة «مجلس السوفييت الأعلى» في التصفيق المتكرر وقوفاً عشرات المرات للمتحدث من خلف المنصّة....لقد قضوا من الوقت في التصفيق، أكثر مما قضى محدثهم من وقت في الحديث والكذب والخداع...لقد قاطعوه 26 مرة، وبمعدل مرة ونصف كل دقيقة تقريباً...فأية دولة عظمى هذه التي تجعل من سلطتها التشريعية «هايد بارك» لترويج الأكاذيب وإطلاق المواقف المتحاملة ضد شعب آخر ومفتئتة على حقوقه وتضحياته.
ليس هذا فحسب، بل أن نتنياهو لم يترك فرصة «خطاب المنصة» تمر، من دون أن يطلق المزيد من الرصاص على الوحدة الوطنية الفلسطينية، ويوجه رسائل إنذار وتحذير، تضع المصالحة في كفة والمفاوضات في كفة أخرى، حتى أنه جعل من نفسه بوقاً تحريضياً يؤلب الفلسطينين على بعضهم البعضهم، ويحثهم على استئناف الانقسام والتباعد والانشقاق.
نحن نعرف الآن، مع من نتعامل...والأصح أننا كنا نعرف مع من نتعامل، والآن ازددنا يقيناً بأن اللعبة انتهت «Game is Over»، أما الذين ما زالوا مصابين بمسّ من الرهان والأوهام، فقد آن الأوان لأن يتطهروا منها، وأن يشروعوا في البحث عن استراتيجيات بديلة...لقد وصل طريق الحل التفاوضي إلى جدار مسدود، ولم يعد التلويح بورقة الجمعية العامة، سلاحاً مُدرّاً للأدرينالين في العروق الإسرائيلية...أما الاكتفاء بطلب وقف المفاوضات، فهي موقف يصلح للمناكفة الداخلية، لكنه لا يشكل استراتيجية بحد ذاته، لا لأن المفاوضات متوقفة فحسب، بل ولأن الأهم من وقف المفاوضات، هو اقتراح البدائل التي يتعين على الشعب الفلسطيني تبنيها، وفي هذا السياق، ندعو ابتداء للاستمساك بالمصالحة واستعادة الوحدة، ونشدد على الحاجة لاستلهام روح الثورات العربية، والتوجه لانتفاضة شعبية /سلمية جديدة، انتفاضة تضع إسرائيل على المحك، وتمكن الشعب الفلسطيني من «حجز مقعد» له في قطاع التغيير والتحرير الذي جاء بـ»ربيع العرب»، فهل نفعل؟! ( الدستور )