تنافس الأولويات المالية والاقتصادية

من أغرب النتائج التي توصل إليها الحوار الاقتصادي القول بأن من العوائق التي يعاني منها الاقتصاد الأردني إعطاء الأولوية للاعتبارات المالية (الموازنـة والمديونيـة) على حساب الاعتبارات الاقتصادية. ولم يذكـر تقرير اللجنة الاعتبارات الاجتماعية التي أخـذت تفرض نفسـها بقوة على جميع الاعتبارات الأخرى.
من غير المفهوم أن يتم تمرير ملاحظـة كهذه في التقرير النهائي وكأنها نصيحة للحكومة، ذلك أن إعطاء الأولويـة للمحددات المالية يمثل تطبيقاً لمقولـة (على قدر لحافك مد رجليك)، وعكسها، كما تريد اللجنة، يعني أن لا تتصرف الحكومة على ضوء الإمكانيات والموارد المتاحـة لأنها تستطيع أن تقترض وتقترض، وأن تراكم المديونية لتحفيز الاقتصاد وإرضاء جميع الأطراف.
النمو الذي قد يتحقـق بهذه الطريقة مهـدد بالانهيار مثل البناء الذي يقام على الرمال فيتم اقتلاعه من أول هبـة رياح قوية.
أتمنى لو أن ما شـكى منه تقرير لجنة الحـوار الاقتصادي كان صحيحاً، وأن الحكومات الأردنية كانت بالفعل تعطي الأولوية للاعتبارات المالية، فلو كان الأمر كذلك لما ارتفع عجـز الموازنة إلى أكثر من مليار دينار سـنوياً، ولما ارتفعت المديونية لدرجة تثير القلق وتقترب من الخطوط الحمراء.
ولكن ما هي الاعتبارات الاقتصادية التي يراد مراعاتها ولو على حساب الوضع المالي؟ كان على أصحاب التوصية أن يعطوا أمثلـة على أوجه الإنفاق التي يجب تلبيتها بصرف النظر عن الاعتبارات المالية، هل يريدون بناء مفاعلات ذرية وشبكة سكك حديدية، وغير ذلك من المشروعات التي يراد لنا دخولها والعالم يخرج منها.
العكس هو الصحيح، وإحدى أهـم مشاكل الأردن عـدم إعطاء الاعتبارات المالية ما تستحق من أولوية، خاصة بعد مرورنا بتجربة مرة في نهاية الثمانينات من القرن الماضي، عنـدما وصلنا إلى درجة الأزمـة ودفعنا ثمناً غالياً للتساهل في الاعتبارات المالية.
الاعتبـارات المالية هي الأسـاس وربما كانت اللجنـة تتذمر من إعطاء الأولوية للاعتبارات الاجتماعية، فإذا كان الأمر كذلك فإن عليها أن تتحلى بالجرأة وتقـول ذلك صراحة.
ليس صحيحاً أن وزراء المالية يتحكمون في القرار الحكومي، فالجاري عملياً أنهم يخضعون للضغوط كما تدل النتائج العملية.
عجز الموازنة هو التحدي الأول للأردن، والأخذ بملاحظة لجنة الحوار يعني المزيد منه. ( الراي )