ثورات وإصلاحات هنا وهناك

لم يكن الإصلاح السياسي والاقتصادي والدستوري والعودة إلى الحرية والديمقراطية ممكناً في تونس أو مصر دون ثورة وعنف ودماء، فالدماء التي سالت، والخسائر المادية والإنسانية التي تحققت في البلدين، كانت الثمن الذي لا بد من دفعه للخلاص من الاستبداد المزمن والفساد المتجذر.
في الأردن عملية إصلاح سياسي ودستوري واقتصادي تأخذ مجراها دون أن تسفك دماء أو يمارس عنف، فالأردن جزء من الربيع العربي، ولا يختلف إلا في تجاوب الحكم مع المطالب الشعبية بل سبقها في بعض المجالات، بحيث يصبح العنف إذا حدث نوعاً من التعسف لدفع ثمن غير لازم.
في التحليل الموضوعي إن ما تحقق في تونس ثم في مصر ليس أكثر من إحداث تغيير على رأس النظام، ولكن الإصلاح لم يتحقق بعد، وهناك خشية حقيقية من الالتفاف على الربيع وتحويله إلى خريف قبل أن يونع وتتفتح أزهاره، أي أن البلدين العربيين ما زالا عند مفترق طرق. والاحتمالات أمامهما مفتوحة إما للتحول الديمقراطي الحقيقي، أو الانتكاس والعودة إلى شكل آخر من أشكال الاستبداد.
الأردن لم ينتظر حتى تداهمه الأحداث، بل سبقها. ومن المرجح أن يتم الإصلاح السياسي بصدور قانون أحزاب ديمقراطي، وقانون انتخابات يأخذ بالتمثيل النسبي، وإنشاء محكمة دستورية، وهيئة تنظيم مستقلة للانتخابات العامة وتعديل شامل للدستور يلغي التعديلات التراجعية التي تعرض لها خلال أربعة عقود، وكل هذا قبل نهاية هذه السنة، وقبل أن يشهد العالم عمليات إصلاح من هذا المستوى في تونس أو مصر.
ما حدث في الأردن خيب آمال المحطات الفضائية العربية والأجنبية التي تغطي الربيع العربي، وأحبط آمال الذين كانوا ينتظرون سقوط (الشهداء) وتصوير مواكب تشييع الجنازات، ونشر إفادات شهود عيان حقيقيين أو مزعومين.
بل إن زخم الإصلاح أحرج بعض دعاة الإصلاح الذين يعتبرون أنفسهم تقدميين، فرابطة الكتّاب الأردنيين ترفض إدانة ما يحدث في سوريا، كما أدانت أنظمة تونس ومصر وليبيا. وبعض قادة النقابات المهنية يعتصمون ضد الإصلاح الإداري دفاعاً عن أصحاب الدخول العالية وضد مصالح صغار الموظفين، والبقية تأتي. ( الراي )