البين الذي لا يرضى!!

تلك عبارة لم اقرأها لسيمون دوبوفوار او لفرجينا وولف او حتى للام تريزا لكنني سمعتها طفلا من امرأة امية تتوضأ تحت زيتونة عمرها من عمر الارض.
ويستأذنها النحل قبل ان يغامر بحثا عن الرحيق ليملأ لها ملعقة من العسل.. تلك المرأة .. قالت رضينا بالبين والبين لم يرض بنا.. ولم اكن افهم ما الذي تعنيه بالبين، الى ان بدأ الصبا يتبدد في طرقات العالم وشعاب القارات فادركت العلاقة بين الغراب والبين، سواء كان يعني الفراق او اية كارثة اخرى.
والعبارة الثانية التي كانت ترددها تلك المرأة عندما يتجاوز سيل الدم او الدمع الزبى هي "طبل وغطى على النايات".. وكنا نعرف الطبول في طفولتنا، على الاقل في ليالي رمضان، اما الناي فكان علينا ان ننتظر فيروز كي تخبرنا عنه من خلال شجن جبراني آسر.. لكننا اكتشفنا بمرور الوقت ان الناي سر الموت ايضا وليس فقط سر الحياة خصوصا عندما تتحول الحياة برمتها الى طبل بمساحة كوكب، وكل ساكنيه لا يكلون من قرعه على مدار الساعة!
ان ما فرض علينا قبول البين هو شرط الوجود الذي لا مهرب فيه من التأقلم ولو نسبيا، اذ لا بد من تقديم تنازلات للتعايش، قد تصل احيانا الى التخلي عن الثقافة كلها لبعض الوقت، وبالرغم من ذلك، لا يرضى بنا الجهل. وهو شكل من اشكال البين!
وفي الازمنة التي ينعكس فيها المعيار ثم يتدنى حتى يلامس الرؤوس يصبح الاجهل هو الاعلم والاضعف هو الاقوى والاقصر هو الاطول والاقبح هو الاجمل، لهذا على العالم ان يعتذر للجاهل كي يتقبله وعلى القوي ان يتملق للضعيف كي يرضى به، وعلى الجميل ان يرش وجهه بماء النار كي يرضي القبيح!
ان تجليات البين الذي رضينا به ولم يرض بنا لا اخر لها، والافعى التي تلتهم العصفور حتى وهو في ذروة غنائه لا تدرك كم هو فحيحها قبيح وسام.
لكنها الاقوى وليست الانبل او الاجمل!
حتى تاريخ الحروب لم يعبأ بما هو اجل وابهى، فكان هناك على الدوام اسبارطات تسقط اثينات، واحصنة خشبية يتدفق منها الغزاة في طروادات العالم.
لكن بالرغم من ذلك، دافعت الطبيعة عن اعز ابنائها، فلم تنقرض الفراشة ودودة القز.
وما يقاوم به طائر البطريق الانقراض في القطب الجنوبي تعجز شعوب محاربة عن انجازه.. والبعوضة التي لا حول لها ولا قوة تدمي مقلة الاسد!
تلك المرأة التي كانت تتوضأ احيانا بدمعها لم تقرأ الحلاج او ابن عربي او النفري لكنها قرأت الشجرة العجوز بدءا من ادق شروشها نسغا نسغا وليس حرفا حرفا، وحين كان النحل يستأذنها قبل السفر الى الرحيق كانت تعد لبكرها اناء العسل المنسوج من رموشها.. ( الدستور )