ما اقل الشكر وما اكثر الدين!

أستأذن الدستور العزيزة وزملائي الكرام وقرائي الذين أصبحوا بمثابة أبي وأمي ان اكتب لمرة واحدة على الاقل عن شجن قد يبدو شخصيا، رغم انه في الصميم من السياسة لكن بمعناها الاخر المحرر من الدسائس ومكر الثعالب ونذالة الضباع، فهذا الاسبوع الذي مر ولم يمر ولن يمر كان اختبارا هو الاعسر لرهان معرفي ووجودي هو باختصار كلمة واحدة قيل انها على شكل كرسي اعدام او على شكل منصة مشنقة انها الحرية..
تلك الكلمة التي انفقت في كتابي "الاستشراق والوعي" السالب عشرات الصفحات لأرد على المستشرق روزتال لانه قال ان كلمة حرية ليس لها جذر لغوي في اللغة العربية وانها مشتقة من الحر بالمعنى الجغرافي..
لم يتوقف عسر الاختبار عند هذا الرهان بل تخطاه الى اعادة اكتشاف المرسل اليه، فكل ما كتب وعلق في عنق غراب زاجل اذا كانت الغربان تزجل عاد الى مرسله.. او رماه ساعي البريد في اول حاوية في الطريق..
وكل او معظم ما أرسل في عنق حمام زاجل يقاتل بالهديل كل نعيق العالم المتوحش وصل الى المرسل اليه وحرسه سعاة البريد برموشهم قبل ايديهم.. ماذا يفعل كاتب تقول له سيدة من بلاده انا فلانة.. ولم استطع ان اكلمك الا بعد ان فرغت من البكاء.. فأنت نجوت من الاغتيال الذي يشملني ايضا!.
وماذا يفعل وهو يقرأ رسائل سوف يسعى بكل طاقته وحتى آخر العمر من اجل استحقاقها؟.
ماذا يشعر وهو يرى ان له ألف أب وألف أم وألف أخت وألف أخ وآلاف الابناء والاحفاد بعد ان اصبح ابا وجدا وبعد ان صدق بأن للانسان ابا واحدا فقط واما واحدة؟
هؤلاء، ان لم افتح لهم باب زاويتي اليوم على مصراعيه، بل اخلعه من جذوره لأستضيفهم فسأكون الابن العاق والاب المتخلي والشقيق اللدود!.
هؤلاء.. ماذا نقدم لهم ردا لجميل وقد مدوا اجنحتهم النبيلة كسرب الطيور التي تحولت الى فراش وثير من ريش لطائر متعب اخطأه سهم مسموم؟.
كم تبدو متواضعة بل جائرة كلمة شكرا وكم يبدو حتى العرفان شحيحا ازاء هذا الكرام الوطني والانساني!.
الا يستحقون ان نكرر القسم الاعظم بالله والشرف وتراب الوالدين والوطن بأن لا نخذلهم حتى لو كلفت الامانة دم العائلة كلها وليس فردا واحدا لها فقط!.
لقد نلت العديد من الجوائز على امتداد حياتي الادبية والصحفية، لكنها كلها الان تتنحى لهذا التكريم الذي وقعه رجال ونساء وشبان وصبايا لم اتعرف بشكل مباشر الا على القليل منهم.
الان انهم ثنائية العتاب والعقاب كما هي في عمق جوهرها التاريخي والان الثغ ثانية بأول حرف من الابجدية الخالدة، لاكتشف لماذا اخترع الانسان الكتابة؟ ولماذا جعل الكف بكل بسالة تناطح المخارز كلها!.
ما اقل الشكر، لكن ما اكثر الدين في العنق. ( الدستور )