ربيع العرب وخريف «الحزب»

الأصل، أن يتصدر «حزب الله» اللبناني قائمة «الرابحين» من ثورات العرب وربيعهم، بعد أن تصدر بجدارة، قائمة «المنتصرين» في حروب المقاومة والتحرير، فالحزب من جهته، هو حركة شعبية جماهيرية مقاومة ضد الاحتلال والقهر والاستعباد...وثورات العرب الكبرى من جهتها، هي حركات شعبية جماهيرية مقاومة للفساد والاستعباد (الحليف الطبيعي والمضمون للاحتلال ومن يقف وراء الاحتلال)...الحزب سجّل أو نصر مدوٍ على جيش إسرائيل الذي لا يقهر وأمكن له تحرير الأرض اللبنانية المحتلة من دون قيد أو شرط، فيما الحركات الشعبية والجماهيرية العربية، سجّلت أول انتصارات مدوية للعرب في تاريخهم الحديث، حين أطاحت (وتطيح تباعاً) بأنظمة وقوى سياسية واجتماعية، طالما ناصبت الحزب العداء، وطالما عملت على «شيطنته» و»عزله» و»تجريده» من قواعده الشعبية الواسعة والعريضة في مختلف الساحات والعواصم العربية.
المفارقة المدهشة، أن رياح الثورة والتغيير في المنطقة، جاءت بعكس ما تشتهي سفن حزب الله وأشرعته...أو على الأقل، هكذا تطورت المسألة...وثمة من يرى أن الحزب دخل فصل الخريف، منذ أن غادر العرب عصر الظلام والركود والاستنقاع إلى ضفاف الحرية والكرامة...إلى أن بلغت أزمة الحزب ذروتها، مع اندلاع الثورة السورية ودخول الحزب على خط الدفاع المستميت عن «نظام المقاومة والممانعة» متنكراً لخطاب المقاومة والشعوب والاستكبار، ومتجاهلا لمنطق الحركات الشعبية وثورات التحرر الوطني، وكل ما يمكن أن يشكل «سمات» خاصة بالحزب.
ما لم تتمكن الآلة العملاقة لأنظمة «الاعتدال» وخصوم الحزب داخل لبنان وخارجه من تحقيقه طوال السنوات الخمس التي أعقبت نصر تموز وصموده الباسلين، أمكن لبضعة أخطاء قارفتها قيادة الحزب أن تحققه...وها هو الحزب، يفقد سريعاً وعلى نطاق جماهيري واسع، قواعده الشعبية، ويتحول إلى فصيل من جملة فصائل، مثيرة للجدل والخلاف على الساحة السياسية والشعبية العربية.
لقد دعم الحزب انتفاضة تونس ومصر، وهذا أمر يسجل له لا عليه، مع أن خطابات السيد حسن نصر الله ورسائله للشعب المصري، لم تكن موفقة أبداً، خصوصا تلك التي خص بها القوات المسلحة، ولقد كانت نتائجها سلبية تماماً...ووقف الحزب إلى جانب «الانتفاضة المغدورة» في البحرين، وهذا أمر مفهوم كذلك، لولا النفس «المذهبي» الذي ميّز تعامل الحزب وأجهزة إعلامه، مع الحدث البحريني.
لكن الطامة الكبرى وقعت، عندما وقف الحزب «بقضّه وقضيضه» إلى جانب النظام السوري، متبنياً روايته بالكامل عن الأحداث في سوريا، ومتدخلاً سياسيا وإعلامياً ودعائياً في حربه على الحراك الشعبي، ومتجاهلاً أي حديث سابق عن إدراة الشعوب الصائبة دوماً، وتوقها النبيل للحرية والكرامة إلى غير ما هنالك.
نفهم أن لسوريا «ايادي بيضاء» على الحزب لا يمكن التنكر لها...ونعرف أن «شريان حياة» الحزب يمر بدمشق...ونتفهم خشية السيد حسن نصر من فقدان حليف استراتيجي قريب، من دونه سيعاني الحزب شتى صنوف العزلة والحصار...ونقرأ في سطور وما بين سطور خطاب الحزب، بعض جمل ومفردات لغة الطوائف وحسابات المذاهب وأولوياتها...لكننا مع ذلك لا نفهم كيف يمكن لحزب اعتمد على الجماهير في بلده والمنطقة، أن يقف ضد الجماهير في سوريا...لا يمكن لنا أن نفهم كيف يمكن لموقف كهذا أن يمر من دون أن يدفع أصحابه ثمناً باهظاً.
لقد صوّرت آلة الدعاية «الاعتدالية» العربية، الحزب بوصفه «آلة مذهبية» عملاقة، وأداة بيد إيران وألعوبة في الأيدي السورية، لكن الكثرة الكاثرة من الشعوب العربية، لم تشتر هذه البضاعة الفاسدة، وظلت على تعاطفها وتأييدها للحزب، برغم «الفارق المذهبي» الذي شرخ المنطقة، وظلّ الناس يتذكرون للحزب صموده الرائع في وجه الجيش الذي لا يقهر...لكن الصورة اختلفت اليوم،، فأداء الحزب في زمن الثورات العربية، بدا مثقلاً بحسابات المذاهب ولغتها، وبدا «متخففا» من المنظومة القيمية والأخلاقية التي ظلت الماكينة الإعلامية للحزب تروّج لها، لقد سقطت هذه المنظومة مرتين، الأولى بالانحياز التام للروية الإيرانية الرسمية ضد خصوم نجاد وانتفاضتهم الشعبية في إيران، والثانية في تبنيه للرواية الرسمية للنظام السوري ووقوفه ضد انتفاضة شعب سوريا...وفي كلتا الواقعتين، لم يكن الحزب موفقاً حتى في التعبير عن مخاوفه المشروعة المترتبة على وجود «شُبهة مؤامرة» أو وجود تيارات معادية لفلسفة الحزب ونظريته وخلفياته في صفوف الانتفاضتين الإيرانية (تيارات متغرّبة) والسورية (السلفيون)...في كلتا الحالتين، كانت النتيجة في غير صالح الحزب، وعلى حساب صورته وصدقيته ونفوذه في العالم العربي. ( الدستور )