ما يَليقُ بقيامة قَوْمّية!!

نتساءل.. لماذا لم يستتب الأمن حتى الآن في تونس ومصر رغم مضي شهور على نجاح الثورتين؟ فالنظامان السابقان لهذه الثورة لم يعودا على المسرح حتى لو كان لهما فلول تحاول ارجاع عقارب الساعة الى الوراء..
أليس من حقنا ان نقرأ بأثر رجعي تلك الكيمياء الاجتماعية في عالمنا العربي والتي جعلت من انفجار عدة مكبوتات دفعة واحدة حالة من الفوضى التي أصابت البوصلة بالعطب ولو مؤقتا؟
يبدو ان الصراع لم يكن كما يختزل الآن بين طرفين فقط، هما النظام وتوابعه من أجهزة والناس. فالمجتمعات التي أدت الفوارق الطبقية فيها الى فجوات نفسية وبائية يصعب علينا أن نختزل الصراع فيها الى طرفين فقط، والفقراء ليس لديهم من فائض الوقت والرفاهية ما يكفي لتحديد قائمة بأسباب فقرهم، قد يكون نصيب النظام عندما يكون جائراً ومرتهناً لقوة المال ونفوذ الحزب الواحد الذي يحتكر الدولة هو الأعظم، لكن المجتمع برمته يتحمل العبء أيضاً، فالفقر لم يتم استيراده، بل أنتجته المجتمعات ذاتها بعد أن أصبحت منزوعة العدالة والقيم، وهذا ما يفسر لنا استمرار غياب الأمن بعد أفول نظم استبدادية، وما يقوله علماء الاجتماع عن المجتمعات التي تفرز ما تستحقه من القضاة والمجرمين ومن الأخيار والأشرار بالغ الدقة، وحين كانت المتاحف ومؤسسات الدولة في ثلاث حالات على الأقل هي من أوائل ضحايا العبث والسطو بدءاً من بغداد مروراً بتونس حتى القاهرة، فان الأمر يحتاج الى وقفة معمقة لاستقراء هذه الظواهر بدءاً من جذورها، فالمتاحف مثلاً ليست من منجزات أو ممتلكات أي نظام، لأنها للشعب بمختلف شرائحه وطبقاته وأجياله، ومؤسسات الدولة كذلك، لأنها تبقى بعد رحيل النظم واسدال الستار على رموزها!
ان هناك حلقة مفقودة في هذه الدراما القومية التي تتكرر فيها مشاهد لا يمكن وصفها بأنها استثنائية أو مجرد جمل معترضة في سياق تاريخي ما.
هنا يأتي الدور الأعظم بل دور البطولة المعطل للثقافة، فهي المسؤولة عن تدني مستويات الوعي وعن أزمة الثقة المزمنة بين الفرد والدولة، فكل شيء يخصها مباح وحلال، وهذه ليست مناسبة للدفاع عن أية دولة أو تبرير نواقصها التي أفرزت مصائب شملت الجميع، لكن تثقيف الناس بما يتعلق بالعقد بينهم وبين الدول حذفه الاعلام القبائلي العربي من المعادلة، ففي العراق مثلاً وهو ابوالقانون منذ حمورابي والذي علم الانسان الكتابة على الطين، لم يجد الناس ملاذاً بعد عدة ألفيات من تاريخهم غير المسجد عشية انفجار المكبوت بمختلف أشكاله الطائفية والجسدية والاقتصادية، مما اضطر المعنيين بالأمر الى مناشدة الناس باحضار ما سرق أو ضاع من المتحف او مؤسسات الدولة الى المساجد!
ان الحراك العربي الآن وفي نطاقه القومي ليس حكراً على أحد، والاستخفاف بهذه القيامة القومية يبدأ من قراءات اختزالية لا ترى من جبل الدم لا الجليد الا الطافي منه على السطح..
العرب كانوا منذ زمن على موعد مع لحظة انفجار عظيمة، لأنهم ليسوا من طينة اخرى غير طينة البشر، وهم ادرى من سواهم بأن للصبر حدوداً، لكن تعاملنا كشهود على الاقل مع هذه القيامة يجب أن يليق بها ونفرز أعراضها الجانبية كي نتلقح بأمصالها في ليالينا القادمة!! ( الدستور )