تركيا ... الانتخابات وما بعدها

تم نشره الأربعاء 15 حزيران / يونيو 2011 12:59 صباحاً
تركيا ... الانتخابات وما بعدها
عريب الرنتاوي

حظي حزب العدالة والتنمية بعدد أكبر من الأصوات في انتخابات 2011 (حوالي 50 بالمائة من الأصوات) قياساً بانتخابات 2007 (حوالي 47 بالمائة منها)....بيد أنه وبحكم طبيعة النظام الانتخابي المعتمد، حصل على عدد أقل من المقاعد (هبط من 331 إلى 326 من أصل 550 مقعداً) أي بخسارة خمسة مقاعد...سعادة الحزب بدخول تاريخ الحياة السياسية التركية المعاصرة من بوابة الحزب الأول الذي يفوز بغالبية المقاعد للمرة الثالثة على التوالي، لم تكتمل، والسبب أنه لم يتمكن من تخطي حاجز ثلثي الأصوات الكفيل بتمكينه من تعديل الدستور، والانتقال بتركيا إلى ضفاف الدولة المدنية الديمقراطية التي وعد بها الحزب وزعيمه الكاريزمي، رجب طيب أردوغان.

وكما قال الطيب رجب نفسه، فإن الشعب التركي بعث برسالتين جوهريتين عبر صناديق الاقتراع...الأولى، رسالة ثقة غير قابلة للطعن أو الشك، بقيادة حزب العدالة والتنمية...والثانية رسالة تأكيد على الحاجة لبناء التحالفات والشراكات قبل الشروع في إعادة تشكيل الدولة التركية من خلال مشروع الدستور الجديد الذي تحدث عن أردوغان...الشعب التركي يريد»العدالة والتنمية»، ولكنه يريد أيضاً «التوازن» بين مختلف مكوناته وأطيافه، ولا يريد أن يعطي غالبية مطلقة لفريق بعينه، حتى وإن كان قاد البلاد إلى ضفاف النجاح والتقدم والحضور.

أياً يكن من أمر، فإن الكثير قيل ويمكن أن يقال عن أسباب نجاح العدالة والتنمية في الحصول على ثقة شعبية متزايدة، حتى بعد ثلاث دورات انتخابية متتالية...منها ما يتصل أساساً بالاقتصاد والطفرة الهائلة التي حدثت في عهد العدالة والتنمية، ومنها ما يتصل بمحاربة الفساد والإصلاح السياسي وتعميق التجربة الديمقراطية، ومنها ما يتعلق بالحضور الطاغي للدبلوماسية التركية النشطة على أقواس الأزمات الرئيسة التي تقع تركيا عليها: الشرق الأوسط، البلقان، القوقاز وآسيا الوسطى، فضلا عن الحضور الدولي الفاعل للسياسة الخارجية التركية.

وهناك من يضيف إلى هذه العوامل الثلاث – غير المتساوية من حيث تأثيراتها – عاملاً رابعاً، ويتعلق بنجاح حزب العدالة ورجب طيب أردوغان بالذات، في بعث وإحياء مشاعر العزة القومية والكرامة الوطنية لدى الأتراك...فتركيا، وريثة الامبراطورية العثمانية، تحوّلت إلى لاعب هامشي في أزمنة الانقلابات العسكرية والحكومات الوطنية والعلمانية التي تخللتها...أما اليوم، فهي لاعب رئيس يشار له بالبنان...بل ان العثور على «البنان التركي» في معظم أزمات العالم وملفاته الساخنة، لم يعد بالمهمة الصعبة أو العسيرة.

ما يهمنا في أمر الانتخابات التركية يتخطى السياسة الخارجية التركية إلى السياسة الداخلية كذلك...فتركيا تقدم نفسها، ونحن ننظر لها، كأنموذج مفيد، وموضع دراسة وتعلم (لا نسخ أو تقليد) في تحديد العلاقة بين المدني والعسكري، الإسلام والعلمانية، التحول الديمقراطي في ظلال الإسلام السياسي، إلى غير ما هنالك من عناوين هي موضع بحث الناشطين والدارسين على حد سواء...كما أن «المعجزة الاقتصادية» التركية، هي موضع اهتمام مؤسسات البحث والتفكير خصوصاً في أزمنة الأزمة المالية والاقتصادية العالمية.

أما في حقل السياسة الخارجية، فإن «الاستمرارية» هي الخلاصة الأبرز لتجربة الانتخابات التركية الأخيرة...العدالة والتنمية باق في موقعه ومحافظ على سياساته لسنوات أربع قادمة على أقل تقدير...وتركيا في ظلاله، ستظل لاعباً مهماً ومطلوباً، صديقاً للعرب والفلسطينيين، ومن أصغى لخطاب النصر الذي ألقاه أردوغان من على شرفات مقر حزبه، يدرك تمام الإدراك، أن القضايا العربية العادلة والمشروعة، والعلاقات العربية-التركية هي الفائز الأكبر في الانتخابات الأخيرة....لقد أهدى أردوغان نصر حزبه لدمشق وبيروت والقدس وجنين ونابلس وغزة...وهذه رسالة لا تخفى دلالاتها على أحد.

حتى الذين يحاولون تجريد الموقف التركي من «مكوناته القيمية والأخلاقية» كموقف شقيق وصديق للعرب والفلسطينيين، عليهم أن يتذكروا، أن لغة المصالح لا تغيب عن عالم السياسة، بل تقررها وتتحكم بها...ومن «مصلحتنا» أن تكون لتركيا شبكة مصالح عميقة ومتشعبة معنا ولدينا، تؤسس لعلاقات مستقرة وثابتة ومتطورة بين الأمتين العربية والتركية...فهذا رصيد لنا لا عبء علينا...ولمن يساروه الشك، خصوصا في دمشق، بصدقية وأخوية الموقف التركي، عليه أن يسترجع كيف كان حال السياسة والتحالفات والائتلافات التركية قبل عقد من الزمان...عليه أن يتذكر المناورات المشتركة والتحالف الاستراتيجي مع إسرائيل.

صحيح أن الموقف التركي تضرر بسبب مواقف أنقرة من بعض الثورات العربية (ليبيا تحديداً)، لكن الصحيح كذلك أن السياسة الخارجية التركية تداركت الضرر، وأحدثت التعديل المطلوب سريعاً، ولا يجوز بحال من الأحوال، أن يتوقف التاريخ عن «لحظة معينة» أو موقف معين...فتركيا ماضية في مواقفها الداعمة لربيع العرب وقضية العرب المركزية الأولى، وليس هناك ما يدعونا للطعن بذلك، اللهم إلا إذ كنا نريد لأنقرة أن تصفق لكل ديكتاتور في عواصمنا العربية...هذا دور لا يليق بتركيا المعاصرة...ولا يليق بعرب ما بعد يناير المجيد. ( الدستور )
 
 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات