عندما يدوسون البشر.. مركب النقص وتمجيد الإهانة

تصلح الصور المتدفقة من سورية مادة لبحث في علم النفس، فكيف ينحدر الإنسان إلى مستوى يدوس فيه إنسانا آخر؟
تلك ليست خصوصية سورية، ففي الربيع العربي تكشّف مخزون القبح لدى الأجهزة الأمنية، والاختلاف بالدرجة وليس بالنوع. في تونس، شاهدنا الدوس على البشر وضرب النساء والأطفال، وتكرر ذلك في مصر وليبيا واليمن.
من يدوس إنسانا لا ينفذ قرارا سياسيا لمسؤول أو تعليمات ضابط، هو ينساق وراء عقد ناتجة عن مركب نقص. هو يشعر كم هو وضيع وعديم الكرامة من خلال عمله في تلك الأجهزة، وهو منعدم الإنسانية والرجولة أمام رؤسائه في العمل، تماما كما هو كذلك في البيت الذي خرج منه.
من يدوس بشرا بالتأكيد شاهد والده يدوس أمه أو شقيقه، وهو في بيته يمارس تلك الإهانات كما يمارسها في الشارع. هو يريد أن ينتقم من طفولة مهدورة، داسها الوالد والمدرس وأشقياء الحارة.. يريد أن يشعر أنه رجل.
لذا، هو يصور نفسه بالهاتف النقال، حتى يعود ويفتخر أمام أقاربه أنه داس المعارضين ببسطاره، يريد أن يقول أنا لست وضيعا وجبانا ونذلا ومهانا.. أنا رجل وشاهدوا شجاعتي.
أي بشر أولئك الذين يمجدون الإهانة؟ إنهم نتاج منظومة مدمرة من البيت إلى الشارع إلى المدرسة إلى المؤسسة العسكرية والأمنية. ولا يمكن علاج تلك الحالات طالما أن النظام محصن من المحاسبة، وخصوصا في شقه الأمني والعسكري. والدول الغبية تعتقد أن التحصين هو ما يحقق الأمن والاستقرار.
النظام السوري لم يعتبر، وربما لم يعرف أن وفاة خالد سعيد تحت بساطير الأمن هو ما شكل شرارة الثورة المصرية، ولذا مارس مدير الأمن السياسي بطولته على فتيان وأطفال درعا. وإلى اليوم، لم تتوقف فروع الأمن عن تفريغ عقد النقص في المواطن السوري الثائر.
تحتاج تلك النوعية من البشر إلى عملية تأهيل طويلة المدى. فهم ليسوا خطرا على الثائرين، على العكس حماقاتهم تخدم الثوة وتؤججها. هم خطر على أنفسهم وعلى أولادهم وذويهم. والعلاج ليس فرديا بقدر ما هو علاج للبيئات التي أنتجتهم. أما الضحايا، فتلك أوسمة معلقة على صدورهم، وما يحتاجونه هو ثقافة التسامح والصفح.
إن المجتمعات لا تمجد الإهانة بالصور التي يدوس بها عسكري مريض مواطنا فحسب، بل بالحفاوة بالزعيم الذي يدوس عليها من سنين وهي تتلذذ في ماسوشية غريبة. ( الغد )