بلطجة من نوع آخر

آخر تقليعة للمعارضة المحلية هي الوقوف في وجه تنظيم فعالية "قصة ثورة: سورية دماء نازفة" حيث "ناضل" بعض "الرفاق" من النقباء ليلة أول من أمس لإفشال نشاط يدين الأعمال الوحشية للنظام السوري الذي استسهل قتل الناس وتشريدهم.
عتب وغضب كبيران على معارضتنا التي ترفض ممارسات تمس حقوق الإنسان في الأردن، بينما تقف بكل ثبات مع كل ما يقوم به "شبيحة" النظام السوري المأجورون من اعتداء سافر على حقوق الإنسان.
الطامة الكبرى اليوم تتمثل في موقف بعض النقابيين والمعارضين، والذين يرفضون الآخر ولا يتقبلون حتى حقه في التعبير عن رفض وشجب ما يمارسه النظام السوري يوميا من بلطجة وممارسات يندى لها الجبين.
لا أقدر أن أتخيل كيف سيتعامل النقباء فيما لو تسلموا القرار يوما لدينا، والى أي مدى سيقمعون الحريات والرأي الآخر، لدرجة أنهم طلبوا منع الزميل محمد أبورمان من المشاركة في محاضرة تعقد اليوم بسبب مواقفه من النظام السوري بناء على تعليمات تلقوها من مرجعياتهم.
نقباؤنا يرفضون نقد السياسات السورية، ويحرمون على الآخرين التعبير، فإلى أي درجة من الانفصام وصلوا؛ إذ كيف يستوي أن تقبل بقتل النساء والأطفال والشباب وقمع الحريات فيما ترفع الصوت عاليا في الأردن ضد ممارسات لم تصل إلى جزء يسير مما يقوم به النظام السوري الذي فقد شرعيته منذ سقوط أول شهيد سوري.
البلطجة لدى بعض النقابيين تجاوزت الكلام، لتصل حد التهديد بإزالة وتكسير البوسترات، ما يعكس عدم احترامهم لإرادة وقضية السوريين ودماء شهدائهم.
فعلة النقباء بلا شك تعريهم وتفقدهم ما تبقى من رصيدهم الشعبي، ومواقفهم المؤيدة للقمع تضعفهم يوما بعد يوم؛ حيث تكشف مواقفهم ما آل إليه حال معارضتنا التي يتضح أنها لا تؤمن بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، بل والأخطر من ذلك ازدواجية المعايير.
الاحترام يكرس بانسجام الإنسان مع مبادئه وعدم تبديلها بحسب المواقف، وها هم بعض النقباء ينزعون القناع بممارسات تعريهم وتؤكد أن ما يحكم موقفهم ليس المبادئ والقيم الإنسانية بل أشياء أخرى بعيدة عن ذلك. الرواية النقابية عن قدسية النظام السوري باعتباره سور الممانعة الأخير، كما يحلو لهم وصفه، ليست إلا تبريرا لمثل هذه المواقف المتخاذلة، فالحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والكرامة واستعادة الحقوق هي السبيل لممانعة ومقاومة حقيقيتين، وليس نظاما لم يطلق رصاصة واحدة من الجولان المحتل باتجاه "العدو الصهيوني".
انفصام المواقف، هو ما عطل المقاومة، وأدوار المقاومة العربية التقليدية هي التي أعادتنا سنوات إلى الوراء وأخّرت الربيع العربي الذي لم تصنعه المعارضات التقليدية بل جاءت لتتسلق موجته وتستغل الحالة بعد أن سبقها الشباب بأشواط طويلة.
مؤسف لدرجة لا تصدق موقف بعض النقباء حيال المجازر التي ترتكب بحق الشعب السوري. والتاريخ لا يرحم، وسيأتي يوم يحاسب كل على موقفه، سواء قبض الثمن مقدما او لاحقا!. ( الغد )