الحبل السري بين الاردن وفلسطين

الذي بين الاردن وفلسطين، اكبر بكثير، من التوصيف، وهذه جيرة دم، عمرها الاف السنين، التي فاتت، والاف السنين المقبلة، اذا كتب الله لهذه الدنيا، ان تبقى كل هذا الوقت.
يقال هذا الكلام رداً على من يحشر علاقة الاردن وفلسطين، في عشر سنين، او اربعين عاماً، اذ ان بلاد الشام المفتوحة على بعضها تاريخياً، لم تسمع بتعريفات من قبيل التي نسمعها اليوم، هذا اردني وذاك فلسطيني، وهي تعريفات انتجها الاستعمار، فعبدناها.
صلاح الدين الايوبي قبيل ان يحرر القدس، رفع راياته فوق الكرك، ذات يوم، والكرك هي الحضن الذي ولدت فيه القدس بعد احتلال آثم، قبل قرون.
الاردني المتشدد او الفلسطيني المتشدد تحار في امره، اذ يريد ان ينغلق في مجموعة وطنية، عددها بضعة ملايين، وينطق باسمها، هذا على الرغم من ان الله نسب الانسان منا الى مليار من العرب والمسلمين، دعماً له، فيترك كل هؤلاء، وينحشر في اطار ضيق. الاسلام الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، حمل الرسالة الاكبر، فلم تكن الرسالة لاهل الحجاز، ولا لاهل نجد، وهذا هو بلال الحبشي، مع صهيب الرومي، مع ذاك الشآمي والبغدادي، وصولا الى كل هذه الانصهارات تحت راية واحدة. اتذكر هذا الكلام اذ اقرأ قصة "صقر فلسطين" الشهيد كايد المفلح عبيدات من قرية "كفر سوم"، من بني كنانة الاردن، فقد ولد الشهيد كايد العبيدات في العام 1868 في بيت متواضع من الحجر والطين تتوسطه قنطرتان يعلوهما سقف من القصب.
ُيمّيز أهل "كفر سوم" مضافة الشهيد أو "العقدة" كما تسمى باللهجة المحلية، الملحقة بالبيت، إذ يحلو لهم أن يطلقوا عليها لقب "دار الشيوخ"، وما زالت هذه التسمية متواترة حتى اليوم، تخليداً لمكانة الشهيد.
الشيخ كايد كان شخصية مهيبة، وقد أعلنت الجماهير في كل بلاد الشام رفضها لوعد بلفور عند صدوره انذاك وتداعت زعامات الأردن للوقوف في وجه الوعد عبر عقد اجتماع تاريخي في "عجلون" بحضور مئات من الشخصيات.
في مقدمة هؤلاء، كان الشيخ كايد مفلح العبيدات، الذي اختير لمراسلة شيوخ وزعماء العشائر الأردنية في بقية أنحاء الأردن، لحثهم على توحيد كلمتهم أمام المد الصهيوني. في أول هجمة أردنية ضد البريطانيين في منطقة "تلال الثعالب" في فلسطين، ارتفع الشيخ كايد شهيداً أردنياً أول على ثرى فلسطين وتم نقل النعش على أكتاف مناضلين من "درعا" ليلا إلى منطقة "المخيبة" ثم "الحمة" ومن ثم "كفر سوم"حيث ووري الجثمان هناك.
لا ينسى احد عبارة الشهيد الشهيرة اذ يقول "عندما يكون الموت حق فأشرف انواع الموت ان يكون على تراب فلسطين شعارنا الى الابد وسنُعلمه للجيل الذي سيأتي بعدنا". يروي معمرون أن الإشارة الأولى التي أكدت استشهاد الشيخ جاءت عندما أقبلت فرس الشيخ كايد "الصقلاوية" عارياً ظهرها، وبعد وصول الفرس الأصيلة إلى "كفر سوم" غمرت رأسها ببطنها وارتمت على الأرض ثم فارقت الحياة. تصاعد هتاف "الله أكبر" عندما وصل نعش الشهيد إلى القرية وانهمرت دموع الرجال، على "صقر فلسطين"، ابن الاردن الذي حلّق في سماء فلسطين قبل تثبيت التقسيمات السياسية في الأردن وفلسطين وسورية ولبنان. اناس بهذا الطهر في الاردن وفلسطين لا يمكن جرهم الى الخديعة الكبرى التي تقول له اكره اخيك، واجعل الاسرائيلي مرتاحاً، واستبدل معركتك مع العدو بمعركة مع اخيك.
يا لها من بلاد طاهرة ومقدسة، لا تملك الا ان ُتقبل ترابها، وتحب كل اهلها، في الاردن شرقاً حيث تشرق الشمس، وفي فلسطين غرباً حيث تغرب الشمس، في قوس الضياء فوق بلادنا، رد الله اليها روحها وعزها. وفاء الفرس "الصقلاوية" لفارسها، درس في الوفاء للاردن وفلسطين معاً. ( الدستور )