حزب العاطلين

انه اكبر حزب عربي في التاريخ الحديث، ولا تنافسه حتى الأحزاب الحاكمة التي حولت البشر الى استمارات، بحيث يطال العقاب حتى القريب من الدرجة الخامسة..
يزيد عدد اعضاء هذا الحزب عن ثلاثين مليون أو اكثر، اذا أعدنا النظر في الاحصاءات المعلنة، فثمة موظفون يعملون تبعا لدراسة نشرت قبل عدة أعوام خمس عشرة دقيقة في اليوم.
هذا الحزب بلا أمين عام حتى الآن، وليس له برامج أو شعارات في حملات انتخابية، فالاعضاء لا يملكون حتى رسم الاشتراك، ولا وقت لديهم للتفكير في الديمقراطية والشفافية وسائر مفردات المعجم الفسفوري الخاطف للابصار، وأهمية هذا الحزب في حال تشكله انه قومي بامتياز، فالاعضاء المرشحون من اثنين وعشرين بلدا عربيا قبل الطبقة الجديدة من تضاريس السودان واليمن ومن هم على الطريق!
وهو حزب مسالم، لا يطمح الى تداول السلطة ولا يسعى الى قلب انظمة حكم، وأقانيمه الثلاثة هي رغيف ومسكن ووظيفة.
كما ان افراده لا يعرفون بعضهم شأن المنظمات السرية، لكن ليس وفقا لقرار، بل لأنهم متباعدون جغرافيا وقد لا يقرأون الصحف لأن ثمن ارخصها يعادل عدة أرغفة.. أو زجاجة كاز في الشتاء..
ولم نسمع بأن هناك من تقدم بطلب ترخيص لحزب العاطلين، لهذا فهو حزب من طراز خاص جدا وغير مسبوق في تاريخ الديمقراطية العرجاء!
ويزداد عدد الافراد العاطلين في حزب البطالة كلما ازدادت الوعود بتقليصه، فهو أشبه بكبد برومثيوس في الاسطورة الذي كلما نهشته الصقور عقابا لصاحبه لأنه اكتشف سر النار عاد لينمو من جديد.
وقد يصبح حزب العاطلين سرطانا في جسد أمة، لكنه شأن الامراض الخبيثة قد لا يقترن به الالم، بل يواصل قضم العافية والاحشاء بصمت، وبمعزل عن أي احساس به.
ولو شئنا تعريف البطالة بدقة وخارج المصطلحات الاقتصادية والحواسيب، فان دلالاتها الاوسع قد تدهشنا.. لأن الموظفين في الارض.. ليسوا استثناء من البطالة، اذا كان المقصود بها ما هو أبعد من الوظيفة.. والاقتصاد، فثمة مجتمعات كاملة تعاني من بطالة سياسية واخرى ثقافية، لأن ما يسيرها هو جملة من الاعراف والتقاليد وتندفع بقوة الغريزة والدفاع عن البقاء فقط.
بهذا المعنى يصبح حزب العاطلين هو حزب الامة الذي لا ينافسه أي تيار او حزب، وبالتالي يظفر بالحصة البرلمانية كلها، ويتولى القيادة بكامل ميادينها وأبعادها..
وأغرب ما في هذا الحزب أن الافراد المرشحين لعضويته لا يدركون أهيمتهم وكونهم الاغلبية، ولفرط ما تكررت مفردة البطالة اصبحوا يعتقدون انها مهنة كسائر المهن، بحيث لا يتردد احدهم في القول ان مهنته عاطل..
ان الاحزاب السياسية تصبح مجرد اندية وصالونات صغيرة اذا قورنت بهذا الحزب، فما من مقر او مقاعد تتسع لافراده، لهذا فهم موزعون على عشوائيات ومقابر وارصفة وحدائق عامة واحياء تسمى شعبية وهي في الحقيقة مجرد خرائب وأطلال!
واذا خرج هذا الحزب من العالم السفلي الى النور واصبح له ناطق رسمي وأمين عام ومكتب سياسي.. فان البطالة عندئذ تستعيد اعتبارها وتصبح الوصف الأدق للواقع العربي المعتقل!!.(الدستور)