مـا بعـد النمـو الاقتصـادي

المدينة نيوز - سياسات التنمية التي تبنتها دول العالم الثالث والمؤسسات الدولية، ركزت خلال نصـف القرن الماضي على هـدف رئيسي هـو النمو باعتباره الإنجاز الأهم ومقياس النجاح، لأن جميع الاعتبارات الأخـرى تعتمد على النمو وزيادة الدخل.
لكن الاقتصاديين بدأوا يعيدون النظر في كل شيء، فالنمو يظل هدفاً رئيسياً للتنمية، ولكنه ليس الهدف الوحيد، وليس مصدر جميع الأهداف الأخرى.
المهم الآن هو تحسـين نوعية الحياة للجمهور الواسع عن طريق التغيير الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي والتكنولوجي.
لا يكفي حدوث النمو الكلـي في الناتج المحلي الإجمالـي إذا كان يرافقه اتساع دائرة الفقـر، فالتنمية تتطلب تخفيض دائرة الفقـر وتحسين أدوات إعادة توزيع الدخل القومي عن طريق الضرائب من جهة، والخدمات التي تقدمها الحكومة من جهة أخرى.
من عناصر التنمية الحقيقية توفير وتأهيل الكفاءات والمهارات عن طريق التعليم الجيد والتدريب المستمر، فقد تبين أن محاربة الفقـر لا تكون برش المال على الفقـراء حسب تجربة صندوق المعونة الوطنية، بل بنشر التعليم والتدريب والتأهيل، فالمواطن الماهر والمؤهل لن يكون أو يظل فقيراً.
هناك صراعات اجتماعية، طبقية وفئوية، لا بد من سياسة حصيفة لإدارتها بحيث تخـدم النمو والعدالة وتحسـين نوعية الحياة لا أن تكون عقبة في وجه التقـدم.
التنمية ليست بعيدة عن السياسـة، فالازدهار والرخاء الاقتصادي بحاجة لبيئـة ديمقراطية حرة، ودولة مؤسسات وقانون، وليس من قبيل المصادفة أن الدول الديمقراطية غنية تتمتع شـعوبها بأعلى مستويات المعيشة.
الأردن في موقع وسـطي بالنسبة للديمقراطية التي تعطيهـا استطلاعات الرأي خمس نقاط على سلم من عشرة، فلا عجب أن يكون الاقتصاد الأردني ومستوى المعيشـة والدخل في الأردن في موقع وسـطي أيضاً.
الإصلاح المنشود لن يكون سياسياً فقـط، أو اقتصادياً فقط، بل شامل للسياسة والاقتصاد، وفي المقدمة الديمقراطية والحريات العامة ومكافحة الفسـاد على جميع المستويات.
إذا صح أننا شـعب طموح، فلا يجوز أن نقبل بالحلول الوسط والمواقع غير المتميزة، كما تدل الأرقام القياسـية الدولية لمختلف المؤشـرات التي تضع الأردن في مواقع وسطية لا ترضي طموحاتنا.(الرأي)