ديموقراطية يهودية... ما هي ؟
كانت الاجواء السياسية لدى جماهير العرب في اسرائيل خلال الاسابيع الاولى من العام الماضي رمادية اللون لا تنم عن ابعاد المفاجآت القادمة ، غالبية الناس عاشت يومها اجواء عدم المبالاة على حدود اليأس. اخبار سقوط الاسعار في البورصة وتراجع الاقتصاد العالمي ( والاسرائيلي) كانت توحي بازمة حادة تلوح في الافق وتهدد الاف المستخدمين بان اماكن عملهم لم تعد مضمونه لانهم - كالعادة- اول من يتعرض لخطر الابعاد عن العمل في حالة تخلص المشغلين اليهود عن بعض مستخدميهم.
ورغم كون معركة الانتخابات العامة للكنيست بانت في الافق القريب فان نسبة من ترقب هذا الموسم كانت ضئيلة عن غير عادة لان موسم شهر مرحبا الذي اصبح تقليدا لدى كافة اصحاب حق الاقتراع – والعرب منهم خاصة- تضاءل وفقد حصة الاسد من اهم مكوناته ( وهي الوعود التي كان يغدقها سماسرة الاصوات العاملين لصالح الاحزاب الصهيونية على زعماء الحمائل ومتعهدي الاصوات بالجملة!)
ولكن الحملة الاسرائيلية على قطاع غزة خلقت لكافة العرب في اسرائيل ازمة عاطفية عاصفة ضد اعمال جيش الدفاع والجرائم التي مورست, من قبل الطائرات والمدفعية - ضد الناس المدنيين – والاطفال- في غزة, لم تترك مجالا للناس للتفكير بالخطر الاقتصادي الذي بقي - حتى اليوم – بعيدا كتهديد يلوح في الافق. ومن الجدير بالذكر ان غالبية العرب في اسرائيل يعملون لدى شركات وافراد من اليهود ومن هنا فالعامل العربي لا يستطيع اثناء وقوع الصدامات العسكرية الا ان يواجه ازمة خانقة من العلاقات الانسانية المتوترة مع رفاقه اليهود في ساعات العمل, ومع اصحاب العمل. من العرب من يمتنعون عن الكلام والرد على الاستفزازات, ومنهم من يثور ويتصدى للاهانات- ويندر ان يجد العربي متعة في علاقته مع الرفاق اليهود ( لان الجماعة لا يقبلون من العربي ان يسكت او ان يتمنى السلام والسلامة. وحتى العربي الذي يردد ما يقولونه للخروج من مأزق الحوار يجدهم يتشككون في مدى قناعته بما يقول). وقد تكون الحرب على غزة من اكثر معارك اسرائيل العسكرية توحيدا لصفوف اليهود اذ تقول دراسات الرأي العام ان اكثر من 80% من اليهود في اسرائيل ايدوا الحرب وغالبيتهم رفضت وقف اطلاق النار.
وكان ان هذه الوحدة الوطنية لدى اليهود ان تجلت في التعامل مع العرب: اغلبية مطلقة من ممثلي الكتل البرلمانية في اسرائيل عادت – للمرة الثالثة- على تجربتها الفاشلة ضد حزب عربي ومحاولة منعه من المشاركة في الانتخابات العامة.
لقد كانت المحاولة الاولى لالغاء قائمة انتخابية عربية في الكنيست في مطلع سنوات 1980 حين قررت لجنة تمثل الكتل البرلمانية في الكنيست منع كتلة الحركة التقدمية للسلام المشاركة في الانتخابات رغم كون المرشح الثاني على هذه القائمة (بعد المحامي محمد ميعاري) كان جنرال ( الاحتياط) ماتي بيلد, استاذ الادب العربي في جامعة تل ابيب. وكانت حجة المطالبين بالغاء القائمة ان مؤسسيها زاروا الرئيس عرفات في تونس وانهم اعربوا علنا عن تأييدهم لمبدأ الاعتراف المتبادل بين الشعبين. ورفضت محكمة العدل العليا قرار المنع وسمحت لهم بممارسة حقهم.
وجاءت المحاولة الثانية في العقد الماضي يوم جرت المحاولة لفصل قائمة التجمع الوطني الديموقراطي (برئاسة المحامي عزمي بشارة) لانهم رفعوا شعار اسرائيل دولة لكافة مواطنيها – ومرة ثانية قررت المحكمة ان للحركة السياسية الحق في محاولة اقناع الرأي العام بمواقف تناقض شعارات وقوانين سارية المفعول على ان تفعل ذلك بصورة قانونية.
ولكن الامور جاءت هذه المرة بصورة اكثر فظاظة . صاحب الاقتراح لالغاء القوائم العربية كان رئيس قائمة المهاجرين الروس اسرائيل بيتنا المتشدد - افيجدور ليبرمان- ولكنه لقي دعما من كافة احزاب اليمين وبضمنها حزبي السلطة الليكود وكديما كما ايدهم – بصورة مفاجئة- سكرتير حزب العمل ايتان كابل !
اي ان المرء يستطيع القول بان قرار ابعاد العرب وحرمانهم حق التمثيل البرلماني جاء باجماع صهيوني كامل ! وان هذا الاجماع هدف الى الغاء اربعة احزاب عربية منها من عملت في البرلمان منذ الانتفاضة الاولى حين انسحب عبد الوهاب دراوشه من كتلة حزب العمل وانشأ كتلة الحزب الديوقراطي العربي, وبعد مدة اتحد هذا في كتلة برلمانية مع الحركة الاسلامية – الجنوبية( الشيخ عبدالله نمر درويش) و الحركة العربية للتغيير( احمد الطيبي). وحزب التجمع الوطني الديموقراطي (عزمي بشارة)، وللمرة الثالثةكما كان متوقعا رفضت محكمة العدل العليا قرار لجنة الكنيست.
وكان متوقعا ان تؤتي حملة ليبرمان والاجماع الصهيوني ضد التمثيل العربي في الكنيست نتائج عكسية من انهاض الهمم في صفوف الناخبين العرب, ولكن – اغلب الظن- ان صور الخراب في غزة هاشم واصوات المعاناة التي جاءت بها الفضائيات العربية اغلقت اذان الناخب العربي الذي لم يعدم اصواتا عربية تقول له بان تصويته للكنيست يشكل اعترافا سياسيا ويمنح شرعية لا مكان لها لاسرائيل.
ويستطيع المواطن العربي ان يسمع هذه الاصوات من الحركة الاسلامية ( الشمالية) ومن حركة ابناء البلد. ويظهر ان هذه الاصوات تقع على اذان صاغية ونسبة المقترعين العرب للكنيست تتدنى بصورة دائمة طيلة العقدين الاخيرين وقد وصلت في الانتخابات الاخيرة الى اقل من 60%. ولكنني لا اوافق القائل بان 40% من العرب يمتنعون عن التصويت لاسباب سياسية وبين العرب – ولا شك – نسبة عالية من المهملين والكسالى وممن فقدوا ثقتهم بنظام يزعم بانه يعامل الجميع بالمساواة ولكنه يقيم المستوطنات الجديدة لليهود ويحرم مئات القرى البدوية في النقب والجليل من الاعتراف الرسمي مما يحرم اناس اقاموا منازلهم قبل قيام اسرائيل من الحق باستلام البريد ورخص البناء وبقية الخدمات الاولية.
القدس المقدسية