الانتفاضة السورية إذ تدخل شهرها الخامس ...أي جديد؟!

بدخولها شهرها الخامس، تكتسب الانتفاضة السورية ملامح نوعية جديدة، أهمها ثلاثة: الأول، عجز النظام على «ترجمة» مبادراته السياسية، التي أطلقها هو بالذات، الأمر الذي أفقده ما تبقى من صدقية، وأضعف ثقة الناس – الضعيفة -أصلاُ، بجدية الرهان على الخيار السياسي وجدواه...وطرح علامات استفهام كبرى حول من يحكم سوريا، وهو العنوان الذي صدرت تحته، عشرات التقارير والمقالات والتحليلات حتى الآن.
ثاني الملامح التي اكتسبتها الانتفاضة، تلك المتعلقة باتساع نطاق المشاركة الجماهرية فيها، وتحديداً في مدينة حماة التي يكاد يخرج الناس فيها عن بكرة أبيهم في جمع الغضب والانتفاض...لقد أمكن يوم الجمعة الفائت، ولأول مرة منذ اندلاع الانتفاضة، الحديث عن «تظاهرات مليونية»، الأمر الذي شهدناه في مصر بعد أيام قلائل من انطلاق شرارة الثورة، بخلاف سوريا التي احتاجت أربعة أشهر، حتى تتخطى هذا «الحاجز».
وثالث هذه الملامح، الانخراط المتسارع للمثقفين والفنانين بعد أشهر من التردد والتلكؤ، بل والانحياز للنظام، حيث كان الأسبوع الماضي بحق، اسبوع الفنانين والمثقفين في الانتفاضة السورية، وهو أمر سيفضي حتماً إلى توسيع رقعة المشاركة الشعبية في المواجهات من جهة، وسيصعب على النظام وأجهزته الأمنية مهمة قمع المنتفضين من جهة ثانية، إذ لن يكون بمقدوره اتهام الفنانة مي سكاف على سبيل المثال لا الحصر، بأنها تتلقى تعليماتها من «منطقة القبائل» على الحدود الباكستانية – الأفغانية ؟!.
كل يوم يمضي، يخسر النظام نقاطاً لصالح خصومه المتعددين...تتسع دائرة معارضيه ونابذيه والمتضررين من بقائه، في الداخل والخارج على حد سواء...كل يوم يمضي، يتملّك خصوم النظام، أوراقاً جديدة، ووقوداً إضافياًَ لتشغيل ماكيناتهم العدائية ضده....الوقت لا يلعب لصالح السلطة في سوريا...لقد راهنوا على ذلك، وأطلقوا يد الجيش والأجهزة الأمنية و»الشبيحة» تعيث قتلاً وتدميرا وترويعاً، لكن ذلك لم يجد نفعاً...لجأوا للمناورة والمراوغة و»التقية»، تحدثوا عن الحوار والمصالجة والإصلاح، لكن أحداً لم يشتر هذه البضاعة كذلك، لقد عرف السوريون أفضل منا وأبكر منا، أن النظام يراوغ ويناور، وأنه يشتري الوقت، لا أكثر ولا أقل، وأنه يعطي إشارة انعطاف لليسار، لكنه ينعطف فعلياً نحو اليمين...هكذا كان دأبه من قبل، وهذا هو شأنه الآن.
لا يعقل أن يحاور النظام النشطاء والمثقفين في القاعات الكبرى الفارهة، ويلاحقهم بالهروات وأعقاب البنادق في «الميدان»... لا يعقل أن يتوافق القوم على إطلاق سراح المعتقلين، إلا من تورط في دم، في الوقت الذي يقوم فيه جلاوزة الأجهزة بمطاردة الفنانين والمثقفين وعائلاتهم وذويهم وأصدقائهم... لا يعقل أن توصي لجنة الحوار ببناء سوريا الحديثة المدنية الديمقراطية والتعددية، فيما زعران السلطة و»سرسريتها» ينتقلون من مدينة إلى أخرى، ككتائب التدخل السريع، لمطاردة المتظاهرين سلمياً من حي إلى حي، ومن شارع إلى شارع.
كل يوم يمضي، تنخرط قوى جديدة في «مشروع الإصلاح والتغيير» في سوريا، مستفيدة من انهيار جدران الخوف وثقافته، ومتسلحة بالانتقادات الإقليمية والدولية لممارسات السلطة المفرطة في وحشيتها...كل يوم يمضي، يتأكد أكثر من اليوم الذي سبقه، أن عقارب الساعة لن تعود للوراء، وأن النظام يقف أمام خيارين اثنين، لا ثالث لهما، وربما كانا خياراً واحداً أوحد: إما خوض غمار التغير ومواكبة التغيير، وإما المجازفة بتسليم ا»لعهدة» لأصحابها والعودة إلى المنزل.
المشكلة في سوريا، أن النظام عاجز عن الإقدام على أي من الخيارين، لأنها ببساطة، قد يفضيان إلى النتيجة ذاتها، وتحديداً في هذه المرحلة من عمر الانتفاضة السورية وبعد كل هذه التضحيات الجسام التي قدمها الشعب السوري على طريق حريته واستقلاله...فالتغيير والإصلاح سيفتحان باباً واسعاً لحدوث تغييرات دراماتيكية، لا أحد يعرف كيف ستنتهي أو متى...والجمود والمراوحة، ينذران بإطالة أمد الأزمة السورية، وفتحها على شتى الاحتمالات واكثر السيناريوهات خطورة، وربما دموية....النتيجة المرجحة في نهاية كلا السيناريوهين، هي رحيل النظام و»تفكيك الدولة الأمنية» والجسم الطفيلي الملتحق بها والملتف حولها.
كل يوم يمضي في عمر الأزمة السورية، يرفع من كلفة المعالجة، وينذر بسقوط ضحايا أكثر...وكلما سال دم أكثر، كلما تعقّد الحل، وكلما تزايدت احتمالات إراقة المزيد، فالدم يستسقي الدم، والعنف يستولد الكراهية، ومن كان من السوريين، على استعداد لأن يغفر أو يضرب صفحاً، سيكون أكثر إصراراً على المحاسبة والتأنيب والتأديب وتصفية الحسابات، فأية حماقة تلك التي ترى في إطالة الأزمة، وسيلة لمعالجتها، والفكاك من براثنها وأنيابها الحادة؟!.(الدستور)