ملء الفراغ الثاني

بقدر ما انهت الحرب العالمية الثانية, المانيا النازية, بقدر ما اطلقت العد العكسي للامبراطورية البريطانية والفرنسية وسمحت لقوتين دوليتين جديدتين بالصعود, هما امريكا الرأسمالية وروسيا الشيوعية.
وقد لجأت امريكا لتكريس نفوذها الجديد الى استراتيجية قائمة على العنف واستخدام الانقلابات العسكرية لاغتصاب السلطة في العالم الثالث وتأمين مصالحها عبر هذه الانقلابات التي استهدفت اقصاء قوى الاستعمار القديم, البريطاني والفرنسي, ووقف النفوذ المتزايد للحركة الاشتراكية التي تعززت بتوسع موسكو شرق اوروبا وبالثورة الشيوعية في الصين..
وكان العنوان العام للاستراتيجية الامريكية هو ملء الفراغ او مبدأ ايزنهاور, نسبة الى الرئيس الامريكي آنذاك..
ومنذ ذلك الوقت وحتى ادارة اوباما والولايات المتحدة الامريكية تدير حروباً ومذابح بالجملة تسببت في هلاك وابادة ملايين البشر الابرياء كما تقدر خسائر الامريكان انفسهم في حروب الهند الصينية وكوريا والعراق ولبنان وغيرها بمليون جندي بين قتيل ومشوه, اضافة لتداعيات ذلك على الاقتصاد العالمي الذي تحمل اعباء ارباح احتكار امريكا الفاحش للسلاح والنفط وغيرهما..
اليوم, وبالاحرى منذ ادارة اوباما والمطابخ الامريكية تقوم بمراجعة شاملة لهذه الاستراتيجية الدموية المكلفة وتحاول التأسيس لاستراتيجية جديدة تستبدل الحرس القديم وعسكر الامريكان في العالم الثالث بحرس جديد من قادة الثورات البرتقالية والملونة وذلك بسرقة الثورات الشعبية وتلوينها واستبدال الثكنات والجنرالات والعملاء السابقين بنشطاء حقوق الانسان والليبراليين الجدد في الشارع..
ليس بلا معنى اهتمام السفارات الامريكية وجولات بايدن بين نشطاء ما يعرف بالمنظمات غير الحكومية, وكذلك تحولات هؤلاء النشطاء وانتقالهم من منابر حكومية الى المعارضة واوساط ما يعرف بالاسلام التركي الليبرالي, بل ان هناك ما يربط بين صعود هذا النمط من الاسلام وبين الاستراتيجية الامريكية الجديدة التي لم تشطب دور العسكر بل خلقت له وظيفة جديدة هي وظيفة الضامن للتحولات الليبرالية..
وليس بلا معنى, هنا ايضا انه كما كانت تركيا القوة الاساسية في حلف بغداد القديم ايام الاستراتيجية الامريكية القديمة, فانها اليوم رافعة اساسية للاستراتيجية الامريكية الجديدة او الطبعة الثانية من ملء الفراغ.(العرب اليوم)