ما الذي أصاب مقالة روبرت فيسك؟

احدى مشاكل الأعلام العربي الرسمي وبعض التابع له أنه يزوّر الحقائق حتى الصادرة عن المرجعيات الاولى ويقوم بدور الرقيب عليها لصالح فئات أو اتجاهات. ولذا فأن المسؤول الأول يواجه احيانا صعوبة ارسال رسائل واضحة للرأي العام..
ما اثار هذا الموضوع في خاطري ما كتبه الصحفي الانجليزي مراسل الاندبندنت في الشرق الاوسط «روبرت فيسك» يتساءل عن :»اين الخلل في الثورة المصرية القائمة الآن؟ في محاولة لمعرفة اسباب التعثر عن طريق التحليل. وتساؤلات فيسك واستنتاجاته كانت دائما مهمة يخشى منها متخذو القرار في مثل الوضع العربي المتحول..
ما قاله فيسك جرى تحريفه في «الاهرام المصرية» التي ذكرت أن المجلس العسكري الحاكم في مصر هو الذي عزل الرئيس مبارك وهي محاولة لاضفاء صورة ثورية على موقف المجلس.. وموقع احتجاج فيسك والقراء الذين قرأوا نصه الاصلي وحتى الأذاعات التي علقت عليه ومنها إذاعة ال «بي بي سي» أن فيسك لم يقل ذلك في مقالته وان الترجمة قلبت الحقائق.
هذه ليست المرة الأولى ولا الاخيرة من سلوك ظل دائما يتفشى في الاعلام العربي المترجم عن النص الاصلي باللغات الاخرى وكثيرا ما تنشر مقابلات المسؤولين مجزوءة او محرفة رغم ان الذي يتحدث احيانا هو المسؤول الاول في بلده وقد حدث ذلك لأكثر من جهة لم تصل رسائلهم كما هي عبر اعلام بلادهم ومن خلال من هم مسؤولون عن الاعلام فكيف يمكن اذن لوم الاعلام الأخر او المعادي؟.
في بعض الاحيان يصبح الاعلام رقيبا حتى على المسؤول ويمارس سلطة ولي الامر ويتخطى دوره الرقابي..
في الحوادث الشبيهة ما رواه لي صديقي «سلام مسافر» وهو صحفي عراقي جرى نفيه الى روسيا قبل ربع قرن نتيجة خطأ اعلامي. اذ ان مسؤولا عراقيا كبيرا زار المؤسسة الاعلامية التي يعمل فيها موظفا واثناء الزيارة استعرض المسؤول نشرة فيها ترجمة للصحف الاجنبية وحين لم تعجب المسؤول مضامين الاخبار المترجمة وسأل كيف يمكن تعديل النشرة؟فاستغرب الواقفون الذين هز اكثرهم رأسه خوفا استعدادا للتعديل وعندها اخطأ صديقنا حين قال: كيف نعدل هذه المقالات والاخبار لقد جاءت هكذا في الاصل ونحن فقط ترجمنا فكان جزاؤه النقل الى مؤسسة ترعى شؤون الفلاحين.وفي نفس السياق فقد صحفي حقه في ممارسة مهنته من داخل نفس المؤسسة حين رفض الكتابة عن مضار «الرقي» أي البطيخ باللهجة العراقية.. لقد صدف ان كان موسم البطيخ في احدى السنوات سيئا وقد ضج الناس وطالبوا باستيراده فما كان من المسؤول المتنفذ ان ارسل تعميما الى الصحف ووكالة الانباء يطلب من الصحفيين والمعلقين ان يكتبوا عن ضرر الرقي ولما لم يستجب احدهم وتباطأ كان مصيره النقل الى احدى مؤسسات البريد !
اذن هكذا يجري.. وما زال يجري كما هي الحالة في تزوير مقالة روبرت فيسك التي فضحت تورط الاهرام بتحريفها وقد قال احدهم «عادت حليمة لعادتها القديمة» والطبع يغلب التطبع!!(الرأي)