حين يصبح «العلاج بالصدمة» آخر الحلول وأنجعها!

رغم ضجيج المبادرات واللجان والتظاهرات والاعتصامات والعرائض والبيانات، إلا أننا نشكو "فراغاً سياسياً"، يكاد يكون خطيراً... لن تملأه إن طال واستطال، سوى قوى التشدد في السلطة والمعارضة على حد سواء... وأحسب أننا نعاني أزمة غياب "المسار" الذي ينتظم التطورات ويكفل انتقالنا من ضفة إلى أخرى، ضمن رؤية وطينة واضحة وجامعة، ووفق جداول زمنية محددة وغير مفتوحة.
قبل "ربيع العرب"، الذي ينظر إليه كثيرون في بلادنا (للأسف)، كما لو كان "كارثة" قد ألمت بالأمة، وتحدق بنا، ويتعين علينا بذل ما في وسعنا، لدرئها عنها وإبقائها خارج حدودنا... أقول، قبل "ربيع العرب"، كانت ثقة الأردنيين بمؤسساتهم في تناقص وتآكل، وقد دلت على ذلك مختلف الشواهد والمشاهدات، البحوث والاستطلاعات... وأحسب أن التدهور ازداد سرعة وتسارعاً في الأشهر السبع الفائتة، حتى أنني أكاد أجزم، بأن الحكومة والبرلمان، الأجهزة والأحزاب، لم تعد موضع رهان الأردنيين ومعقد آمالهم... لم يعد يرتجى منها أن تشق طريقاً خلاصياً، ينجينا من مصائر صعبة سقط في أتونها أخوة لنا في اليمن وسوريا وليبيا، ولكنه في الوقت ذاته، يخرجنا من حالة الركود والاستنقاع التي نعيشها، إلى رحاب الإصلاح والتغيير، الحرية والكرامة والديمقراطية والتعددية.
ليست هناك على "مائدة الأردنيين السياسية" مبادرة إنقاذية جدية واحدة هذه الأيام... "لجنة الحوار الوطني" تشكيلاً ومخرجات، فقدت زخمها، إن كان لها زخم أصلاً، بعد أن عانت ما عانت من ضعف وعدم توازن في التمثيل، و"تبعية" للحكومة، و"تواضع" في النتائج والمخرجات... ولجنة "الحوار الاقتصادي" نلمس نتائجها في حركة السوق والأسعار وأرقام البطالة والفقر... أما لجنة "التعديلات الدستورية" التي ننتظر نتائج أعمالها بفارغ الصبر، فإنها وفقاً لمختلف التقديرات و"التسريبات" لن تحدث التغيير الكفيل بإحداث الاستدارة المطلوبة في "مزاج" الشارع وتوجهات قواه الإصلاحية الحيّة.
العلاج بالأسبرين "على طريقة الحكومة" والحكومات التي سبقتها لم يعد ينفع، بل أنه فقد قدرته على إخفاء وتخفيف الشعور بالألم، ناهيك عن معالجة "أساس الداء وأُسّ البلاء" كما يقال... ثقة الناس بمستقبل المشروع الإصلاحي في تراجع، والأردنيون عموماً يعيشون "مزاجاً" غاضباً، خصوصاً الشباب منهم، الذين تحولوا إلى "مضغة" في كل الأفواه، ومادة لكل الوعود والتعهدات، من دون أن يلمسوا لمس اليد، بأن جديداً قد طرأ في أنماط ومستويات حياتهم.
نحن نقترب من لحظة، لا يمكن للعلاج أن يكون فيها ناجعاً وفعالاً، إن لم يكن "علاجاً بالصدمة"... نحن بحاجة لمبادرة من "وزن ثقيل"، توقظ الأردنيين على حقيقة أن صفحة جديدة قد دخلتها البلاد، وأن عهداً جديداً قد بدأ منذ لحظة إطلاق هذه المبادرة/ الصدمة... وأحسب أن مبادرة من هذا النوع والوزن والثقل، أكبر من الحكومة والبرلمان الحاليين، أحسب أنها "تشترط" رحيل الحكومة والبرلمان الحاليين.
جوهر المبادرة ينطلق ابتداء من إقالة الحكومة وحل البرلمان، وإعلان دخول البلاد في مرحلة انتقالية تمتد لعام واحد على أبعد تقدير، تدير خلالها البلاد، حكومة سياسيين مقلًصة، تتكون من شخصيات إجماعية، موضع تقدير واحترام وثقة الأردنيين من مختلف المنابت والأصول، من مختلف المرجعيات والمشارب والاتجاهات... حكومة تمثل الطيف السياسي والاجتماعي الأوسع، تكون وظيفتها، إدارة حوار وطني حقيقي، مع مختلف الفاعلين الاجتماعيين، من دون عقد ولا هواجس، ومن دون حسابات وتحسبات، وعلى قاعدة أن الوطن للجميع، وأن المواطنين سواء، وأن أبناء الأحزاب والتيارات السياسية هم "أبناء بلد" أيضا، وليسوا كائنات شيطانية، هابطة بالبراشوت على الأردن من الخارج، ولا وظيفة لها سوى خدمة أجندات الخارج، وأصدقكم القول، أنني عجزت عن إدراك عن أي "خارج" يتحدثون، بل وأتساءل أمامكم مرة أخرى، هل بقي هناك "خارج" يملي أجنداته على الأردنيين، وله رؤوس جسور من بينهم ؟! كفى تضليلاً... فالخارج بالكاد قادر أن "يدرأ الحجارة عن رأسه"... و"الخارج" الوحيد الذي ما زال مؤثراً في "الداخل" الأردني، لا يمكن أن تتهم الأحزاب الأردنية، وبالأخص الإسلاميين، بأنهم أدواته أو أنهم ينفذون أجنداتهم، إنه الولايات المتحدة كما تعلمون.
والمبادرة/ الصدمة التي أتحدث عنها، تفترض حل البرلمان والدعوة لانتخابات نيابية مبكرة، وفقاً لقانون جديد، غير ذاك الذي انتهت إليه "لجنة الحوار" في ظل الشروط المعروفة التي لابست تشكيلها وتفويضها، وما صاحب عملها من تدخلات ومداخلات، قانون ينتهي إلى برلمان سياسي/ حزبي ممثل للأردنيين بعدالة، ينبثق عن انتخابات شفافة ونزيهة، متخففة من الشبهات التي أحاطت بآخر انتخابات أجريناها في السنوات الماضية.
وأحسب أن تعديلاً جدياً على الدستور، يصل أقله إلى ما وصل إليه الدستور المغربي الجديد، في بعض فصوله وصفحاته ومواده، يبدو متطلباً سابقاً، وبالأخص التعديل الذي يعطي السلطة التشريعية دورها الحقيقي، ويكفل تداول السلطة التنفيذية وانتخاب الحكومات... وفي سياق هذه العملية، يمكن النظر، أو إعادة النظر في منظومة التشريعات الحاكمة للعمل العام.
وعلى خط، موازٍ، ينبغي غذ الخطى على دروب محاربة الفساد، فالأردنيون لن يهنأ لهم بال ولن يطيب لهم عيش، إلا إن رأوا رؤوساً كبيرة خلف القضبان، وأحسب أن هناك "جملة من هذه الرؤوس" لا مكان طبيعياً لها أمام القضبان، بل خلفها، على أن يجري إحكام إغلاق بوابات السجون، حتى لا نفاجأ صبيحة اليوم التالي، بخيول الفساد، يتلقون العلاج في الولايات المتحدة أو يكملون دراساتهم العليا في أوكسفورد... ألم يقل أحدهم بأن الحق في الحياة مقدم على ما عداه في معرض تسويغه وتسويقه لفضيحة خالد شاهين؟... وهل من المستبعد والحالة كهذه، أن يقول لنا آخر، بان التعليم، حق أساسي من حقوق الإنسان، وأن من الظلم منع هؤلاء من الحصول على شهاداتهم الجامعية العليا أو حرمانهم من إجادة لغات أجنبية تشتد الحاجة لإتقانها في أزمنتنا الراهنة؟
ما لم نمر بسنة انتقالية، هي أقرب إلى ورشة العمل السياسية، تنظمها وتشرف عليها وتديرها، حكومة نظيفة الكف واللسان وموضع ثقة الأردنيين والأردنيات، ما لم يحصل ذلك، فلن يستعيد المواطن ثقته بنظامه السياسي ومستقبل بلده، ولن يطئمن إلى ماله والمال العام، ولن يتخفف من ألمه وغضبه، وسنظل على موعد مع كل يوم جمعة، قبل الصلاة وبعدها.(الدستور)