البنك المركزي في ربع قرن

أعرف تماماً، ولست بحاجة لمن يذكرني، بأن البنك المركزي ليس شركة ربحية، وأن هدفه الأول استقرار الدينار وإدارة السياسة النقدية بالشكل الذي يلبي متطلبات الاقتصاد الوطني.
لكن هذا لا يعني أن لا يهتم البنك بكلفة إجراءاته، وما إذا كانت مبررة على ضوء النتائج المتوقعة، فقرارات البنك تظل تخضع لتحليل العلاقة بين التكاليف والمنافع.
بعض القرارات التي اتخذها محافظو البنك المركزي المتعاقبون خلال ربع قرن كلفت البنك خسائر تفوق 2ر1 مليار دينار، فهل حقق البنك بذلك منافع قابلة للقياس تفوق هذا المبلغ؟.
هل كان على البنك المركزي مثلاً أن يدفع ودائع ثلاثة بنوك أفلست لغاية 276 مليون دينار، أو أن يودع لدى البنوك المتعثرة عشرات الملايين من الدنانير لمدة 30 عاماً بدون فائدة. هذا التصرف، الذي لا يغطيه القانون، كلف البنك المركزي حوالي 450 مليون دينار.
وهل كان على البنك المركزي أن يموّل الصادرات الأردنية إلى العراق زيادة عن القيمة المتفق عليها للنفط المستورد من العراق بحيث تتراكم في ميزانية البنك مديونية عراقية لغاية 767 مليون دينار من المشكوك في تحصيلها.
وهل كان على البنك المركزي أن يسحب السيولة الزائدة الناشئة عن إجراءاته أعلاه بكلفة تصل إلى 150 مليون دينار في السنة، تحت اسم شهادات الإيداع، خاصة وأن المليارات التي وظفتها البنوك في هذه الشهادات على حساب البنك المركزي قصيرة الأجل وقابلة للتسييل إذا وجدت لها محلاً للإقراض، وبالتالي تبقى سيولة جاهزة لجميع الأغراض العملية. كل ما هنالك أن البنوك كانت تضع سيولتها الزائدة المعطلة في البنك المركزي لحين الحاجة إليها، وتحصل على 150 مليون دينار سنوياً كفوائد.
نحن بحاجة لتحليل يوضح حجم الضرر الذي كان سيحصل فيما لو بقيت السيولة الفائضة في خزائن البنوك لنعرف ما إذا كان تجنب تلك الأضرار يبرر الكلفة الهائلة.
سيقال أن التهور في تمويل الصادرات إلى العراق، ومعظمها إعادة تصدير، كان قراراً سياسياً، ولكن أين هو هذا القرار، ومن اتخذه، وفي أي تاريخ؟ ولو كان هناك قرار كهذا، فلماذا استطاع أحد محافظي البنك المركزي وقف النزيف اعتباراً من عام 1996.
وسيقال أن السماح بخسارة مودعي بنك البتـراء، والبنك الوطني الإسلامي، وبنك عمان، ليس مقبولاً، فهل يرى من يقول بهذا أن على البنك المركزي أن يكفل خسائر وسوء إدارة البنوك؟ كنا نفهم تعويض صغار المودعين لأسباب إنسانية، كما يمكن أن تفعل مؤسسة ضمان الودائع، أما البنوك التي أودعت 80 مليون دينار لدى بنك البتراء بأسعار فائدة مرتفعة ليستثمرها نيابة عنها، فقد كان عليها أن تدفع ثمن قراراتها الخاظئة.(الرأي)