هل تفلس الدول؟

إلى ما قبل أزمة المديونيـة الكبرى في دول العالم الثالث التي وقعت قبل عدة عقـود، كان الاعتقـاد السائد أن الدول لا تفلس ولكنها قد تمر بأزمة سيولة مؤقتة، ومن هنا يلجأ الدائنون إلى إحياء مالهم المشكوك في تحصيلـه بمال إضافي لتعويم الدولة المدينة وتمكينها من الاستمرار في تسـديد الأقساط عندما تستحق.
تقـوم الفكرة على أساس أن الحكومات لا تسـدد ديونها وإنما ترحلها إلى أمام، فإذا استحق عليها قرض بمبلـغ 100 مليون دولار، قامت بعقد قرض جديد بمبلغ 120 مليونا، تسدد منه القرض السابق وتستبقي 20 مليونا لتمويل التوسع في الإنفاق. وبذلك تسـتمر الدولة في خدمة ديونهـا التي تواصل التضخم عاماً بعد آخر.
لتسهيل المهمة اخترعت المؤسسات المالية الدولية، صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، أسـلوب قياس المديونية كنسبة من الناتج الإجمالي بالأسعار الجاريـة، أي أنه أصبح مسموحاً للحكومات أن ترفع مديونيتها سـنوياً بنسـبة تعادل نسبة النمو الاقتصادي مضافاً إليها نسبة التضخـم، وبذلك تبقى المديونيـة في تصاعد، ولكن نسبتها إلى الناتج المحلي الإجمالي تكون مسـتقرة.
بعض الدول تمادت في الاقتراض بما يفـوق النمو الاقتصادي والتضخـم معاً، وبذلك ارتفعت مديونيتها ليس بالأرقام المطلقة فقط، بل كنسـبة من الناتج المحلي الإجمالي أيضاً. ولجأ بعضها إلى المبالغـة في تقديرات الناتج المحلي الإجمالي لإبقاء النسبة ضمن السـقف المقرر.
كل هـذا صحيح في الظروف العادية، ولكن الأمور قـد تصل إلى حد أن الجهات الممولة ترفض تقديـم المزيد من الائتمان للدولة ذات المالية المهزوزة، وعندهـا لا تستطيع أن تسدد ما يستحق عليها من أقسـاط فتتوقف عملية ترحيل الديون إلى أمام وتقع الأزمة (الإفلاس).
المسألة لا تقف عند اليونان التي لم تعد البنـوك الأوروبية على اسـتعداد لتقديم قروض جديـدة لها، فهبت ألمانيا وفرنسا، ليس لمساعدة اليونان بل لمساعدة البنوك الألمانية والفرنسية الدائنـة لليونان، والمعرضة لخسائر فادحة إذا لم يتم تعويم اليونان وتمكينها من الاستمرار في خدمة ديونهـا.
مشكلة الدول التي تعاني من المديونية أنها تريد أن تستهلك أكثر مما تنتج، وأن تنفق أكثر من دخلها، فتقترض الفرق، ولكن إلى متـى؟. (الرأي)