كثبان وغبار !

في كتابه "تكوين العقل العربي" يقدم "الجابري" العربي كصورة عن حبة الرمل, ويصور العلاقة بين العربان, كعلاقة بين حبات الرمل وكثبانه.
وفي رواية سلمان رشدي ايات شيطانية يستعيد رشدي الصورة السابقة عند الحديث عن مجتمع مكة, ويضفي عليها ما يرضي الذهنية العصبوية الغربية المريضة.
ويعيد "زيعور" ايضا تفكك المجتمع العربي الى هشاشة علاقاته الرملية.
هذا التصور, يحتمل الكثير من المغالطات لكنه بدون شكل لا يخلو من صحة, واخطر ما فيه العلاقات المتبادلة المتحركة, كما الكثبان الرملية نفسها.
فلا الافراد, ولا الجماعات يتشكلون بمنطق التراكم التقليدي في زمان ومكان محددين, بل بمنطق الرياح والنجوم وحركة المد والجزر في الجوارات المائية.
ولذلك ظلت الصحراء العربية (الرمال, والمضارب, والنوق الضامرة, والشجيرات, والواحات الراكدة) على مفترق طرق تاريخي تفرخه الجغرافيا في كل مرة.
ابتداء بموسم الهجرة الاولى الى الشمال والشرق الاقصى بعد انهيار طرق التجارة التقليدية وانتهاء بالقرون الاخيرة التي رافقت اكتشاف رأس الرجاء الصالح.
فظل الخيار واضحا وقاطعا في كل مرة. امبراطورية تحاصر المدن والبحار بالصحراء, فتحول الرمل والكثبان الى مصدر قوة.. او قبائل متناحرة تتحرك على تخوم المياه, وطرق القوافل في خدمة السادة في الجوار.
واسوأ ما في حالنا اليوم هو هذا الحال الذي حول القبائل الى دول, تحمي وتحرس تجارة ومصالح الاخرين في الممرات الجبلية, وعلى اطراف الصحراء.
ثمة نشيد ودم ازرق وعصبية وصفائح زنك تحتوي القبائل -الدول- الكثبان الرملية, وتحولها الى مكعبات داخل لعبة الدومينو الغربية.
غبار
غبار الذهب.. الفضة.... التاريخ... الخيل.... الاحذية ... الخشخاش... الماريجوانا.. القطن. التبغ... الادوية... القطن... الشاي الاخضر... صدف الاعماق... طلع الزهر... ورصاص الثارات.
الغبار الابيض والاسود.. والذري... وغبار الافلاك
في الماضي... كان الغبار اثير الاشياء...
فكان غبار الخيل يجمع في صرر ويوضع تحت مخدات الزوج ويجبل مع حناء المرأة قبل العرس ويضرع الى الله بان يأتي المولود قويا, يحب الخيل وشد القوس..
وكان غبار الافلاك يحرك النفس في الابدان ويقرر الاسماء وحظوظ الناس.
الان.. وفي حقول الماريجوانا.. يختارون اجمل الفتيات. يركضن عراة حتى يتعرق الجسد الغض بما يكفي لامتصاص غبار الكيف, وتكشط عنه ظفائر اغلى من سعرالنفط وسعر الماس.
الان.. وفي حقول القطن والشاي الاخضر والتبغ ومختبرات المصل... شركات متخصصة في جمع غبار ونفايات القطف وبقايا الجرذان وتسويق الموت جنوبا.
الان.. ومن غبار الاعماق.. وعروق الذهب الاصفر, تستورد اقراط واساور وخيوط الذهب الخالص جدا! لنساء الشرق واقلام الوزراء واطاريف الحمامات.
الان.. شرق الحرف الاول والحبر الاول في التاريخ يحتضن غبار النفايات النووية ويصبح غبار التاريخ. (العرب اليوم)