من يتحمل مسؤولية الفشل الاقتصادي?

أكثر مشهد مقلق في الاقتصاد الوطني خلال العقد الماضي كان في تنامي الانفاق الرسمي بطرق عجيبة بعد ان تم تفريخ مؤسسات خاصة بهذا الشأن تحت مسميات مختلفة ادت الى تفتيت الجسم المالي للدولة مع تنامي العجز والمديونية بشكل كبيرين.
ورغم تنامي حجم المنح والمساعدات المقدمة للمملكة في هذا العقد الا ان الواقع الفعلي للامن المعيشي للاردنيين كان في تراجع مستمر لدرجة ان الجميع مدرك ان عمليات التنمية التي ادعت الحكومات ممارستها ضمن خطط وبرامج مخصصة لذلك لم تنعكس ايجابا عليهم بل ساهمت بالحاق الاذى بالاردنيين.
وهذا كان جليا في مجال محاربة الفقر الذي بقيت معدلاته على حالها لا بل ان بعض المساهمات الرسمية في هذا الاطار فشلت في معالجة تلك الظاهرة ولم تجد الاموال التي انفقتها الحكومات السابقة في معالجتها والبالغة قيمتها 700 مليون دينار, كما ان معدلات البطالة في تزايد مستمر, واعداد الخريجين السنوية التي تتجاوز الثمانين الفا لا تجد في الاقتصاد ما يستوعبها من حيث توفير فرص العمل, لا بل ان اعداد العمالة الوافدة في تزايد مستمر, ومعدلات التضخم في ارتفاع متزايد, ومعيشة المواطنين من سيئ الى اسوأ فما هي قصة النمو في الاردن?
في الحقيقة ان مسألة النمو الاقتصادي الذي تحقق في الفترة الماضية ابتعدت في ركائزها عن مفهوم التنمية الاكثر شمولية من استفادة قطاع ما بالنمو, بمعنى ان كل ما تحقق في السابق بالشأن الاقتصادي كان نموا لا تنمية وهي التي يتطلع الى تحقيقها راسم السياسة العامة للدولة, لذلك فالنمو المتحقق كان يفتقد للروح الجماعية, ومن هنا نجد ان لا فائدة ترجى من ذلك النمو على معيشة المواطنين لدرجة ان بعض المسؤولين يتجنبون الحديث عن المنجزات الاقتصادية بسبب سخط الرأي العام من هذا الموضوع.
يعيب السياسات الاقتصادية التي نفذت في السنوات القليلة الماضية افتقادها لبوصلة الطريق في تحقيق هدف منشود بعينه, فاذا ما سألت عن ما تبتغيه السياسة الاقتصادية للدولة ستجد من يجيبك باننا نتطلع لاستقطاب الاستثمارات الاجنبية, فهل هذا هدف بعينه ام وسيلة داعمة للجهود الرسمية التي تحارب مشكلتي الفقر والبطالة?!! فاذا جاءت كل تلك الاستثمارات ولم تقم بالدور المنشود في تشغيل وتدريب الاردنيين وخلق فرص عمل جديدة لهم, ألا يستحق الموضوع من الجهات المعنية المزيد من الدراسة والتمحيص لما نريد حقا من تلك الاستثمارات, وربط جهود الترويج والجذب بالسياسات الاقتصادية التنفيذية للدولة, وهذا لن يتحقق من دون ان تكون هناك استراتيجية عليا للاستثمار وتحديد احتياجات المملكة الاستثمارية قطاعيا.
كما ان ما يعيب السياسات الاقتصادية السابقة والحالية ان اقرارها جميعا كان يتم بمعزل عن دراسة واقع واحتياجات المجتمعات المحلية, فولدت غريبة وماتت من دون ان يذكرها احد بخير, ولهذا الامر ارتباط واضح وجلي في مسألة الاصلاح السياسي والتطور الديمقراطي في المجتمع, لانهما يلعبان دورا مهما في تحقيق الاجماع الوطني ضمن اطار مؤسسي ودستوري, فالحوار الموسع بين اطياف المجتمع يضمن في النهاية الخروج برؤية تنموية واضحة المعالم ومحددة الاهداف قابلة للتنفيذ والمساءلة اذا ما اخفقت, بدلا من ترك تلك الخطط بأيدي فئة واحدة تهاجمها فئة اخرى وتبقى المسألة بين الاخذ والرد بسبب شخصنة العمل الاقتصادي وافتقاده لروح التنمية المستدامة, فلا عجب من انتقاد الشارع العام من ان النمو المتحقق هو نخبوي وبحاجة لعلاج طارئ وسريع.(العرب اليوم)