هندسة الجينات

منذ ان اطلق الوزير ملحس تصريحاته المدوية, وانا كلما اقرأ او اسمع شيئا عن الاغذية والادوية المسرطنة, تتداخل في ذهني تداعيات شتى تبدأ بلعبة الجينات الوراثية وتنتهي بلعبة الجينات في السياسة.
اتذكر فرانكشتاين الاختراع البشري المسخ وكتابات »فسمان« المبكرة جدا عن الخراب البيولوجي وما آل اليه من نموذج نصفه قرد ونصفه انسان في المختبرات الامريكية.
اتذكر حجر الفلاسفة الذي اشتغل به الاوائل مثل خالد بن يزيد وجابر بن حيان ودفعهم -كما يقول الجابري- على طريقة من سبقهم من هرامسة الهند وفارس, لاوهام تحويل المعادن الخسيسة الى معادن ثمينة.
كما اتذكر ايضا, وفي مفارقة عجيبة قانون التطور اللامتكافئ ودور هذا القانون في حمل البلاشفة الى السلطة في روسيا في اكتوبر 1917 وفي كتابات ماو عن الثورة الثقافية والقفزة الى الامام.
واخشى ان يكون الخروج على القانون والسنن الطبيعية, في الطبيعة وفي المجتمع معا, خروجا غير محمود تماما مثل الاذعان لهذه القوانين.
فهنا وهناك, في الطبيعة والمجتمع, ثمة محاولات مشروعة لحرق المراحل, والدخول في تفاصيل الجينات الوراثية كما السياسية.
وهنا وهناك كان الثمن قاتلا: الامصال والفاكهة السامة, فرانكشتاين القبيح, زندقة السهروردي والحلاج التي لم تنقل زنج البصرة خطوة واحدة نحو الامام... والاكتوبر الروسي الذي فرم العمال قبل غيرهم تحت عجلات التصنيع البيروقراطي الثقيل, الثقيل جدا.
هذا ليس كلاما بالمطلق ومخاوف ملغومة, فثمة حاجة دائمة لاطلاق الكيمياء والادراكات المسبقة في خضم الاحداث... طالما ظلت هذه الحاجة بنت قانونها التاريخي, الحي, وبالتالي قانونها الطبيعي, وليس قانون الدوارق والدسائس في الغرف المغلقة.(العرب اليوم)