الربيع العربي.. محاولات الاجهاض!

هل يستمر الربيع العربي ليصل الى اهدافه في تغيير الحال العربية ونقلها مما كانت عليه وما نعرفه جميعا الى حال اخرى يتشابه العرب فيها مع غيرهم من الشعوب التي خرجت من الضعف والتبعية وفقدان الوزن الى الدور والشراكة والدفاع عن مصالح الامة.. ام ان الربيع العربي الذي جرى وما زال يجري سحبه الى موقع الرماية والاستهداف من القوى المتحكمة والتقليدية التي ادمنت السلطة في عواصم عربية لعقود طويلة الى التصفية وجعله وخما او يابسا وهو في مراحله الاولى؟.
هناك خوف من اجهاض فكرة الربيع العربي وركوب موجته واختراقه وتزويره سواء باستقواء خارجي ام بقوى داخلية كرست نفوذا ومالا وسلاحا وهي قادرة ان تقاتل بشراسة في الشارع العربي لمنع هذا الربيع من الاثمار او حتى الازهار..
هذا مخاض عربي عسير تحدث عنه مانديلا في رسالته الى المحتجين العرب في مصر وتونس وحذرهم من الانسياق وراء احلام كبيرة وتصفيات وانصراف الى الجزئيات والتفاصيل والغرق فيهم، ودعاهم الى التسامح ووضع العين على القضايا الكبرى للخلاص وذلك بالاستعانة بكل القوى وحتى بطمأنة القوى المستهدفة نفسها انها لن تهمش ولن تطرد وانما تشارك ويعاد انتاج دورها..
هل طال ليل او نهار الربيع العربي ؟ وهل اصبحت الحالة التي من المفترض فيها صناعة التحول حالة منتكسة تجتر تفسها وتراوح في مكانها وتجعل الثمن في الدعوة للاصلاح والتغيير ثمنا باهظا من الدم والرصاص والحصار والتعذيب كما رأينا في عواصم عربية..
هل نحن مستعجلون اذا ما ادركنا عمق المأساة العربية وتراكم القمع والمصادرة وهيمنة السلطة فيها واننا نحتاج الى زمن طويل وتراكم من العمل الايجابي والمخلص والشفاف ليصل الربيع الى اهدافه.. ام ان الوقت يستنفد ولا فائدة من الانتظار طالما كان الحصاد على هذا السوء من المحصول؟
لم تعد العواصم العربية التي اصابها الربيع العربي او امتد اليها مقروءة بسهولة لمعرفة الاتجاه والقدرة على التنبؤ ما إذا كانت تسير الى الامام لتبني وتجدد ام انها تنزف اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا وهي تقف تحت غطاء التغيير وشعارات الثورة..
في مصر ما زال العسكر يحكمون وهو ما كان منذ ثورة 23 يوليو 1952 التي تصادف اليوم وما زالت مصر كما يقول المفكر «انور عبد الملك» :»مجتمع يحكمه العسكريون» كما جاء في عنوان كتابه الذي الفه في ستينيات القرن الماضي.. وما زال التغيير يغلي في مراحله دون ان يطال بنية النظام الاساسية اذ ان التغيير اصاب الاغطية ولم يصب البنية العمودية للنظام والتي ما زالت ماثلة وتبنى عليها القرارات. فقد دخل العسكر على التغيير ليصنعوه بمواصفاتهم حتى هذه اللحظة، وظلت قوى التغيير الشابه تحتج وتحاول وتفرض قدراتها لاختراق هذه الدائرة.
هناك في مصر وغيرها قوى كامنة تنتظر ان تحصد ثمار التغيير وهي قوى احزاب الاخوان المسلمين ولها في ذلك خطط ومساهمات تستفيد من غياب التنظيمات القوية والحزبية البديلة ومن غياب النخب العربية والطبقات السياسية القادرة على ان تشكل رؤوسا للثورات او قيادات منقذة او مناورة او مفاوضة او خبيرة لها..
حركات الاحتجاج العربية سواء في مراحل الاصلاح او الثورة تفتقد لقيادات قادرة ان تكون البديل على تلك التي يراد ازالتها او زحزحتها ولذا فإن هذه الحركات ما زالت تراوح مكانها وما زال يجري التعامل معها باساليب غير محسومة، فالقيادات التقليدية على ضعفها وهزالها وفشلها في كثير من المواقع العربية ما زالت لم تقبض القيادات الشابة الجديدة المحتجة.وما زالت تعتقد انها تستطيع احتواءها بشراء الوقت او التحييد او خلق المشاكل او تقديم حلول مؤقتة او حتى باستعمال العنف المفرط..
الربيع العربي ما زال في غرفة التشخيص وما زالت قراءته صعبة وما زال بحاجة الى قيادات حقيقية تخرجه من منطقة قصف نار قوى الشد العكسي وموقع رمايتها الى مواقع اخرى حتى لا يدخل في الخريف المبكر ويصبح شتاء باردا.. (الرأي)