المردوخية!!

«المردوخية» الان اصبحت مدرسة تنسب لامبراطور الصحافة التي وظفت لتكون طاعونا يتفشى ويفلت من الرقابة ويطيح بالبناء والسمعة وسيرة الشرفاء ويحولها الى صناعة وفساد ولهو..
اخيرا سقط مردوخ بعد ان تجرأ السياسيون البريطانيون الذين ابتزهم وخضعوا له ان يشربوا حليب السباع كما فعل ديفيد كاميرون رئيس الوزراء الذي نزل بالمظلة قبل ان تهوي به الطائرة ليفضح سكرتيره الصحفي الذي استورده من مخزون ميردوخ..
مردوخ يتجرع الكأس ..كأس الذل الذي اسقاه للكثيرين حين تجسس بتواطؤ مع الشرطة البريطانية على التلفونات و البريد الصوتي وتحكم في نصوص الرسائل الصوتية بالحذف والاضافة وتغيير المصدر ونقل الاشاعة وجعلها خبرا وحقيقة واغتيال الشخصيات التي كان يرى فيها عائقا في وجه نفوذه ومدرسته وافساده لصالح اليمين الحاكم ورموزه ،حتى اصبح فيما بعد تيارا يمينيا يحكم بنفسه ويؤسس لاتجاهات سياسية يمينية بدل ان يكون اداة اليمين.. وفي هذا السياق كانت صحيفة اخبار العالم وكانت الصفقة التي توقفت في اللحظات الاخيرة حين كان يريد الاستيلاء على شبكة «سكاي نيوز» العالمية اليمينية..
المردوخية مدرسة متفشية في كثير من بقاع العالم وفي عالمنا العربي الذي لا حماية كافية فيه للمواطن ولا حقوق انسان تضع حدا على الابتزاز والتشهير، واذا كان الساسة البريطانيون الان قد انقلبوا على السحر ليخرجوا من أسره .. اي من سيطرة وسائل الاعلام التي توظف الاخبار لصالح افكار محددة، فإن هذا الخلاص لا بد ان يسري عبر الاطلسي ليفك أسر الساسة الامريكيين الذين التهمهم اليمين في الحزب الجمهوري وفي مواقع اخرى نتاج خضوع للمدرسة المردوخية التي هي اشبه بمدرسة «مكارثي» والمكارثية مع اختلاف المهمات والادوات والتقاء الاهداف..
مردوخ الذي خسر الان المال والسمعة ولم يبق له إلاّ زوجته الصينية التي هبت للدفاع عنه بعضلاتها حين استهدفه احد الفنانين داخل قاعة المحاكمة في مجلس العموم البريطاني ورشه بصابون الحلاقة لتثبت ولاءها لزوجها الذي جعل كبار الكتاب والصحفيين والمعلقين تابعين وعبيدا له او ضحايا مقتولين، حين كانوا يخرجون على خطه في عمل اشبه بالمافيا..
المردوخية التي تفهت الصحافة والفن والمسرح والغناء وهدمت الابداع باسم الحرية المنفلتة التي لا رقابة عليها ولا معايير تضبطها استفاد منها رئيس الوزراء المعروف «برلسكوني» صاحب الامبراطورية الشهيرة والتي تشبه امبراطورية ميردوخ في السيطرة وتولي السلطة من خلال رئاسة الوزراء الايطالية لثلاث دورات .. واذا كان ميردوخ البريطاني قد فضح وفضح معه ابنه واتباعه ونهجه فإن الكثير من «المرادخة» او «المردوخيون» حول العالم وعالمنا العربي ما زالوا يسيطرون وما زالوا يحبذون وسائل اعلام ومواقع وفضائيات ونفوذ لا يراقب.. وما زالوا يمثلون سوسة تنخر في جسد البناءات العربية من مواقع مختلفة..
سقوط مردوخ وامبراطوريته يعني سقوط نهج ظل يتحكم في العدالة ويغيبها وفي الحقيقة ويقتلها ويخفيها وفي كل الظواهر الايجابية التي كان الناس يحاولون من خلالها الخلاص ،لقد استعملت المردوخية اسلوب الاشاعة والتجسس وتزوير الحقائق والفضائح والتشهير وكان المفتونون بهذه المدرسة في الاثارة او حتى مستعمليها من المتنفذين او المغلوب على امرهم كخدم لاهدافها.. ظلوا يعتقدون ان هذا شكل من اشكال حرية التعبير يحق لهم به ان يفعلوا ما يشاءون ..
في القياس لننتبه الى اؤلئك الذين يوظفون الاعلام والصحافة لاغتيال الشخصية او اخفاء الحقائق او افساد الناس او تفكيك بنية الدولة لصالح الهدم وليس لاعادة البناء.. فالاعلام المصادر او الغائب او الخائف او المرعوب او المدجن ليس بديله الاعلام المردوخي الذي انكشف الان وعرف الناس حقيقته بعد ان انخدعوا بالحرية الزائدة فيه.. لقد ظل يضع السم في الدسم وحول الساسة الى مخلوقات اعلامية مشوهة يتحكم بهم وبمساعدة الشرطة وحماة القانون انفسهم كما رأينا..(الرأي)