الحلبات

ثمة ظاهرة رياضية, اكاد اجزم انها لا تقبل النقاش, وتتمثل بهذا التوافق العجيب بين ازدهار الالعاب الخشنة و"ازدهار" الفاشية.
كان اباطرة و"نبلاء" و"سادة" روما واثينا والمدن الاغريقية, يمضون اوقات الفراغ بمشاهدة لعبة الموت بين الوحوش والعبيد والاسرى.
ومنذ ذلك الوقت, والحلبات تتسع وتمتد الى الشوارع والساحات العامة واقبية التعذيب وميادين الحرب, بين تجار وامبراطوريات البحر واليابسة.
في العصر الحديث, دخلت السيكولوجيا على خط هذه التسلية الدموية, واصبحت تزجية الوقت بهذه الطريقة, شأناً استراتيجياً وسراً من اسرار الدولة الفاشية.
مع هتلر وموسوليني ومافيا صقلية وسالا زار البرتغال وعسكر البرازيل والارجنتين وبقية دكتاتوريات العالم الثالث ازدهرت كرة القدم.
ومع فرانكو ازدهرت مصارعة الثيران, ومع الفاشية المكارثية ازدهرت الملاكمة والركبي.
ذات مرة, سأل فرنكو عن امكانية اصابة الثور في اكثر المناطق تورداً, فالدم الذي يسيل من الخاصرة ليس كافياً.
وذات مرة, اخرى, سأل دكتاتور في امريكا اللاتينية, عن امكانية وتوسيع مرمى كرة القدم نصف متر آخر.
وثمة من اقترح الغاء واقي الرأس في حلبات الملاكمة, واستبدال الخشب بالاسمنت المسلح في حلبات المصارعة.
لم تكن ملاحظاتهم سخيفة او مثيرة للسخرية والضحك, كما تظنون لقد كانت تعبيراً عن فلسفة الحكم في عصر البربرية الرأسمالية, وفي اشد لحظاتها انحطاطاً.
فالقهر السياسي- الطبقي, كما يقول فرويد, ينتج دينامية هائلة وشحنات رد فعل واحتقان, يدفع الناس الى الشوارع وبوابات "القرار العالي".
فلماذا لا يجري تنفيس هذا الاحتقان, في الحلبات والشباك بدل الشوارع.
الاسوأ من كل هذا, ان الالعاب الخشنة وخاصة كرة القدم ونجومها, اصبحت ايضاً معادلاً سيكولوجيا تعويضاً عند الشعوب المقهورة الضعيفة التي حولت الجوع او القهر الوطني, الى كرة قدم مهاجم او رمح في كف مصارع ثيران, او قبضة داخل قفازات ملاكم.
هكذا الرياضة, مثل اكتشاف الانشطار الذري, من اروع انجازات البشرية ومؤشرات التقدم الحضاري المفتوحة على الموت كما على الحياة ... هكذا اينشتاين .. وبيليه ورونالدو .. وكاسيوس كلاي.(العرب اليوم)