إصلاح بالتطبيع أم بلا تطبيع?

حالياً على الأقل, يبدو أن مفهوم الإصلاح قد استقر على معنى إيجابي مرغوب ومتفق عليه بعد أن مر بمراحل كان فيها ميداناً للاختلاف. فقبل سنوات وبعد الاحتلال الأمريكي للعراق انتشر المفهوم بسرعة وصار حديث الخاصة والنخب, وعقدت لأجله القمم والمؤتمرات والندوات والملتقيات والحوارات, لكنه لم يوفق في الوصول إلى قلوب عامة الناس الذين لم يقتنعوا بأن المحتل الأمريكي الذي خرّب بلداً عربياً كبيراً وعزيزاً يريد الإصلاح لباقي العرب.
حوصر دعاة الإصلاح الأمريكي, وصار الانتماء إليهم شتيمة شعبية, وانقسموا إلى أكثر من فريق: بعضهم تحدث عن إصلاح نابع من الداخل, وبعضهم تبنى فكرة توارد الأفكار مع الأمريكان, وقسم ثالث قال لنستعن بالأمريكان ما دمنا عاجزين عن القيام بالإصلاح الذاتي, وقسم رابع قال إنه يقبل بالإصلاح الأمريكي اتقاءً لشروره لأنه أمر واقع وقدر لا يرد... وهكذا. ولكن المهم بالنتيجة أن مفهوم الإصلاح اندحر وتلاشى خلال سنتين أو ثلاث على أكثر تقدير.
منذ مطلع هذا العام عاد المفهوم بقوة وبمعنى جديد, وتبنته الشعوب وقدمت من أجله التضحيات, غير أنه يبدو اليوم أن ما في القلب بقي في القلب, فجماعة الإصلاح الأمريكي من العرب, والأردنيين منهم بالطبع, يحاولون بلا كلل إعادة الحياة لمفهومهم, وبعضهم يقول أن هذا هو ما كان يقصده بالضبط, وقد رأيت بعضهم يبتسم في الاعتصامات ابتسامة المنتصر.
الأمريكان أنفسهم أكثر دقة من جماعتهم, فهم يضعون الموقف من "اسرائيل" كمعيار للحكم على الإصلاح الذي يريدون, وهو بالمناسبة معيار صحيح للفصل بين أنواع الإصلاحيين العرب.
إننا أمة لها عدو قومي ترفض التطبيع معه, وفي الممارسة سوف يستمر الصراع بين الإصلاح بالتطبيع والإصلاح بلا تطبيع.(العرب اليوم)