اليوم التالي للاعتراف بالدولة ؟!

تم نشره الثلاثاء 26 تمّوز / يوليو 2011 01:13 صباحاً
اليوم التالي للاعتراف بالدولة ؟!
عريب الرنتاوي

سنأخذ بأكثر السيناريوهات تفاؤلاً فيما خص «استحقاق سبتمبر» القادم...وسنفترض أن الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أقرت بغالبية ثلثي أعضائها أو أزيد قليلاً، الاعتراف بفلسطين، دولة مستقلة فوق الضفة والقدس والقطاع، وفقاً لخطوط الرابع من حزيران 1967...ما الذي سيحدث صبيحة اليوم التالي؟...كيف سيؤثر هذا التطور على المشروع الوطني الفلسطيني، مشروع العودة وتقرير المصير وبناء الدولة المستقلة وعاصمتها القدس، على الأرض وليس على الورق ؟!.

من الناحية السياسية والمعنوية، وحتى القانونية، سوف تأخذ المطالب الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني دفعة إضافية، وسيُقال أن إسرائيل تحتل أرض «دولة أخرى»، وستوصف المناطق المحتلة باسمها الحقيقي، كمناطق محتلة وليس كأراضٍ متنازع عليها...كل هذا صحيح...لكن الصحيح كذلك أن إسرائيل عندما احتلت الضفة الغربية، كانت تحتل أراضي «دولة أخرى»، هي الأردن، ومع ذلك لم يكن ذلك سبباً كافياً لرحيل الإحتلال أو نزع الشرعية عن الكيان المُحتل...وإسرائيل تحتل اليوم أراضي دولتين أخريين (الجولان السورية ومزارع شبعا اللبنانية) ومع ذلك لم يفض هذا الواقع «اللا أخلاقي» و»اللا قانوني» إلى أي تغيير يذكر على الأرض، فلماذا الاعتقاد إذن، بأن الوضع في فلسطين، سيكون مغايراً؟.

قد يقول قائل: أن احتلالات إسرائيل لإراضي خمس دول عربية (هي إلى جانب فلسطين، كل من مصر ولبنان وسوريا والأردن)، لم يتسبب في تعطيل شعوب هذه الدول أو منعها عن ممارسة حقها في تقرير مصيرها، والعيش في كيانات «مستقلة» خاصة بها، باستناء الفلسطينيين، حيث الاحتلال والتهجير والاستيطان والحصار، تجثم جميعها على صدور الفلسطينيين، كل الفلسطينيين، في الوطن والشتات، وتمنع عن الفلسطينين حقهم في العيش كسائر شعوب الدنيا، الأمر الذي يجعل من الاعتراف الدولي أداة لتسريع عملية إحراج «الاحتلال» توطئة «لإخراجه»...فهل هذا ما سيحصل فعلاً؟.

في ظني أن صبيحة اليوم التالي للاعتراف بدولة فلسطين، لن تكون متميزة تماماً عن صبيحة اليوم الذي سبقها...كل ما في الأمر، أن تطوراً سيطرأ على مكانة «الدبلوماسية الفلسطينية»، من دون أن يفلح ذلك في تفكيك حاجز عسكري إسرائيلي، أو تعطيل جرافة إستيطانية أو إعادة لاجئ واحد، أو إدخال شاحنة إضافية من مواد البناء إلى القطاع المحاصر والمجوّع...في ظني أن الفلسطينيين على الأرض، لن يقطفوا ثمار هذا الاعتراف المعلّق في سماء الدبلوماسية الدولية وأروقتها.

لقد سبق وأن صدرت عن الأمم المتحدة ومجلس الأمن، قرارات عديدة، بعضها منشئ لدولة فلسطين على مساحة أوسع (181)، وبعضها مؤكد على الحق في إنشاء هذه الدولة على مساحة أضيق (1515) وبعضها يحظر الاستيطان ويسحب الشرعية عنه ويدينه ويندد به...وبعضها يعطي اللاجئين الحق في العودة والتعويض (194)، وبعضها يؤكد الحاجة لرفع الحصار عن القطاع...كما صدرت عن أرفع المراجع القضائية والحقوقية الدولية قرارات وازنة، بشأن كل هذه الأمور معاً، ومع ذلك، ظلت العربدة الإسرائيلية هي سيدة الموقف، محميةً تماماً بالانحياز الأمريكي لدولة الاحتلال والاستيطان والتهجير والحصار.

لسنا هنا لنقلل من شأن الخطوة الفلسطينية، فكل معركة يتأكد فيها الحق الفلسطيني، هي معركة مباركة، ويجب خوضها حتى نهاية المطاف...ونحن بخلاف بعض «المتذمرين بالفطرة»، ندعم كل جهد دبلوماسي فلسطيني على هذا الطريق، ونطالب العرب وأصدقاء الشعب الفلسطيني بالاستنفار ما أمكن من أجل دعم الجهد الفلسطيني...لكننا مع ذلك، نرى أن القيادة الفلسطينية قد جعلت من «التوجه للأمم المتحدة» مبتدأ الجملة الفلسطينية وخبرها، لكأن العالم سيتغير من تلقاء ذاته صبيحة اليوم التالي...نرى القيادة الفلسطينية تتخذ من هذا التوجه، وسيلة لاستعادة مسار المفاوضات العبثية...نرى القيادة الفلسطينية تعيد ترويج البضاعة الفاسدة إياها، بضاعة «المفاوضات حياة»...فهل المشكلة التي تواجه شعب فلسطين اليوم تتمثل في كون مفاوضيه ينطقون باسم سلطة أو منظمة، وأنهم غداً سيتحدثون باسم دولة تحت الاحتلال ؟!...هل سترتعد فرائص الإسرائيليين من «اليافطة» التي سيجلس خلفها كبير المفاوضين، وقد كُتب عليها «وفد دولة فلسطين» ؟!...في ظني أن لا شيء من هذا سيحدث...لا شيء جوهرياً سيتغير.

نحن نريد الذهاب إلى الأمم المتحدة، وندعم الجهد الدبلوماسي الفلسطيني، بوصفه حلقةً في سلسلة من المعارك السياسية والحقوقية والدبلوماسية والإعلامية التي يتعين على الشعب الفلسطيني أن يخوضها في مواجهة أعدائه...نحن ندعم هذه المسعى، إن هو أتى في سياق بديل لسياق المفاوضات العبثية...نحن ندعم هذا المسعى إن هو إندرج في سياق استراتيجية وطنية بديلة، تضع في المقدمة من أهدافها إشعال الأرض من تحت أقدام الاحتلال، ورفع كلفته إلى أعلى الحدود...نحن نفهم هذا المسعى في سياق عمل وطني موحد ومنسق، تحت مظلة المصالحة و»الوحدة الوطنية»...نحن نفهم هذا المسعى في سياق الانسحاب من عملية أوسلو التي ماتت وشبعت موتاً، وقد آن أوان مواراتها الثرى.

ليس ثمة في الأفق، ما يشي أن القيادة الفلسطينية تفكر على هذا النحو...فالعزف المنفرد «سيمفونية المفاوضات ولا بديل عن المفاوضات» الذي استمعنا إليه من اسطنبول، لم يطربنا أبداً، ولم يشنف آذاننا...والأهم، أو بالأحرى، الأخطر من كل هذا وذاك، هو ذلك الإصرار على التمسك بخيار العبث التفاوضي، الإصرار على «المقاومة العقائدية الصلبة والعنيدة» لفكرة الانتفاضة الشعبية السلمية الثالثة، لكأن القوم لم تأتهم بعد، أنباء «ربيع العرب»، والاحتمالات الهائلة التي تنطوي عليها «طاقة المقاومة السلمية للشعوب» والتي تكفلت بالإطاحة بعروش الفساد والاستبداد، وسط ارتياح العالم وإعجابه واحترامه...أليست هذه الطاقة بالذات، كفيلة بدورها بدك حصون الاحتلال والاستيطان والحصار؟

لا شييء يشي بأن «جماعتنا» قد قرروا الخروج من النفق المظلم، كل الأداء، كل المواقف والتصريحات، كل الخطط والتحالفات والائتلافات، تشي بأن نيويورك سوف تكون «ذروة سنام» هذا التحرك، أما سؤال ماذا بعد، أو ماذا لو، فلا يقلق أحداً على ما يبدو، وإن غداً لناظره قريب.(الدستور)
 



مواضيع ساخنة اخرى
الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية الإفتاء: حكم شراء الأضحية عن طريق البطاقات الائتمانية
" الصحة " :  97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم " الصحة " : 97 حالة “حصبة” سجلت منذ أيار لدى أشخاص لم يتلقوا المطعوم
الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع الملكة في يوم اللاجىء العالمي : دعونا نتأمل في معاناة الأمهات والرضع
3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار 3341طن خضار وفواكه ترد للسوق المركزي الثلاثاء - اسعار
الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن الدهامشة : الداخلية وفرت كل التسهيلات لقدوم العراقيين للأردن
العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا العلاوين: التوسعة الرابعة ستمكن المصفاة من تكرير 120 ألف برميل نفط يوميا
" الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار " الائتمان العسكري " : تمويل طلبات بقيمة 13 مليون دينار
العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا العيسوي يفتتح وحدة غسيل كلى بالمركز الطبي العسكري بمأدبا
الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي الصحة: مخزون استراتيجي للأمصال المضادة للدغات الأفاعي
بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان بالاسماء : تنقلات واسعة في امانة عمان
عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي عضو في لجنة الاقتصاد النيابية: بطء شديد في تنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي
إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن إخلاء طفل من غزة لاستكمال علاجه بالأردن
تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام تسجيل 14 إصابة بالملاريا جميعها إصابات وافدة منذ بداية العام
ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي ملك إسبانيا : الأردن هو حجر الرحى في الاستقرار الإقليمي
الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة الملك : حل الدولتين أساسي لتحقيق السلام والازدهار في المنطقة
الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات الهواري يؤكد أهمية ضبط العدوى لتقليل مدة إقامة المرضى في المستشفيات