أردوغان.. فضحتنا في دافوس
مرّةً ثانيةً يا رجب طيّب أردوغان، تستفزنُي للكتابة شاكراً ومُقدماً لكَ التحيّات الطيّبات باسم كل الشهداء من الأطفال والنساء والأبرياء، فهناك في دافوس كنتَ للمجرمين بالمرصاد وأعدت الاعتبار للدماء الطاهرة التي أوشكَ العالمُ أن ينساها و\"يبيّض\" صفحة القتلة والإرهابيين.
حتى في دافوس يا رجب تجاهلت الاقتصاد والمصالح، وكان انحيازُكَ للعدالةِ مُشرّفاً ومبدئياً، وغامرت بالعطايا والنِعمِ \"الأميركية والصهيونيّة والأوروبية\" وآثرت التاريخَ وعروشه التي لا تبنيها المصالحُ والمجاملاتُ والسياسات المبتذلةِ، بل تبنيها الكرامةُ والكبرياء والعدالةُ ونُصرةُ الحقِ وأهله.
يا رجب طيّب أردوغان، لماذا تُريدُ أن تعلّمنا ما يجبُ أن يكونَ عليه سلوكنا مع قَتَلتنا وإرهابيي العصر وكل العصور؟ لماذا تُصرُّ على أن تُبسّط الأمور بشكل يُخلُ بكرامةِ السادةِ من \"معتدلين\" و\"ممانعين\"؟ كُلهم يا رجب، كُلهم يتوسلون إليكَ أن تتوقفَ عن تعليمهم لغة العزةِ والكبرياء، فهم ربما لا يقدرون على نطقها أو حتى التلعثم بحروفها المضيئة. لماذا يا رجب تستعدي الأسياد وجماعاتِ الضغط؟ وتضعُ الملياراتِ في مهبِ الرِيح؟ وتُقامرُ بحياتكِ في زمنِ القتلِ والإرهاب؟ أغزةُ تستحقُ كل هذه التضحيات و\"الخسائر\"؟ أغزّةُ لها كل هذا الحضور في قلبكِ الطيّب؟ أغزّةُ بهذه العَظَمةِ التي تجعلُ \"تركيا\" تقفُ في وجه العالَم المُنافق.
غزّةُ يا رجب، مدينةٌ لكَ بالكثير الذي ربما ستعجزُ عن رده. غزّةُ ترثي حالها وترثي العربَ وتدعوكَ بطلاً لم يتخلَ عن إنسانيّته.
غزّةُ يا رجب فقيرةٌ لا حول لها ولا قوة، غزّةُ يا رجب حالها لا يسرُّ صديقاً فأرضها خراب، وناسُها جوعىْ، جراحهُم نازفة، يُفيدُهم الطعامُ والشرابُ والدواء ويُفيدُهم أكثرْ، الوقوف معهم في وجه طغيانِ العالَم، هُم يحتاجونَ قائداً زعيماً له لسانٌ ينطقُ الحقَ وقلب إنسانْ يُدينُ الشرَّ ويفضحُه ولا يُعطي له مجالاً للتشدّقِ بالديمقراطية والإنسانيّة وحق \"الدفاعِ عن النفس\".
غزّةُ يا رجب تحتاجنُا معها قلباً ويداً وسلاحاً وتضحيات لا إعلاماً و\"قمماً \" وتصريحات .غزّةُ تحتاجنُا معها صادقينَ لا منافقين، أعزةً لا أذلة. أصحابَ حقٍ لا متسوليّ فُتات الحقوقِ والدول.
مرّةً ثانيةً يا رجب تجعلنُا نُدركُ الفرق كبيراً بين أن تكونَ مُهماً أو لا تكونَ أبداً. مرّةً ثانيةً يا رجب، قدّمت لنا درساً موجزاً وبليغاً في الكرامة، مرّةً ثانيةً يا رجب، فضحتنا في \"دافوس\".