مصر بين ثورتين

تعيش الثورة الشعبية المصرية هذه الايام صراعا عليها بين قوى الثورة البرتقالية الامريكية وبين القوى المتسلحة بذاكرة ثورة يوليو الناصرية بين برنامج يفصل حقوق الانسان والحريات العامة والاصلاحات الدستورية عن المعركة من اجل العدالة الاجتماعية والدور القومي العربي لمصر ولانهاء اتفاقيات كامب ديفيد.. وبين برنامج التحرر الوطني والقومي والالتزام بقضايا ومصالح الطبقات الشعبية والقطاع العام والاصلاح الزراعي, ورؤية كل ذلك على قاعدة دور عربي مركزي للقاهرة.
وليس صحيحا ان التحدي الليبرالي الذي تطرحه جماعات الثورة البرتقالية الامريكية لسرقة ثورة مصر الحالية, هو جديد من نوعه وهو الذي يرسم آفاق هذه الثورة, فحركة 1952 التي حولها عبدالناصر من انقلاب عسكري بضوء اخضر امريكي ضد بقايا الاستعمار القديم, البريطاني, الى ثورة اجتماعية سياسية سرعان ما اصطدمت مع الامريكان, جاءت عمليا في مواجهة مناخات وقوى ليبرالية من طينة المناخات الحالية, وذلك بعد ان عجزت هذه القوى طيلة قرن ونصف القرن عن وضع مصر على طريق النهوض والاستقلال والتقدم فيما حقق عبدالناصر خلال عشرين عاما فقط انجازات كبرى, ساعد غياب الديمقراطية على الالتفاف عليها بعد وفاته..
لقد بدأت موجة الليبرالية في مصر مع حملة نابليون عام 1789 وكان لها فلاسفتها من مختلف التيارات كما نشهد حاليا, فمن اسلاميين على الطريقة التركية الحالية مثل الطهطاوي وعبده وعلي عبدالرازق ومصطفى عبدالرازق, الى ليبراليين علمانيين على طريقة جماعة الثورة البرتقالية الحالية مثل احمد لطفي السيد واسماعيل مظهر ومحمد حسين هيكل ومثلهم عشرات الصحف والاحزاب ايضا التي تذكرنا بظلالها الحالية الحزب المصري والاحرار الدستوريين وحزب الامة وجميعهم من كبار الملاك مع نخب ثقافية ليبرالية مقربة من الاحتلال البريطاني كما ظلالهم الحالية المقربة من الامريكان, والذين يعيدون طرح القضايا نفسها (السفور) اونزع لحجاب, النسوية. التغريب الثقافي, وذلك بمعزل عن القضايا الكبيرة مثل التحرر الوطني والقومي وفك التبعية والسيادة... الخ.
وبوسع المهتمين اكثر, العودة الى دراسات اممية عبود (الليبرالية في مصر) واشرف منصور (الليبرالية الجديدة) ورجا بهلول (المرأة في الفكر الليبرالي) وبسام البطوش (جذور الليبرالية في مصر).(العرب اليوم)