الاستثمارات في الديسي.. الاحتكام للقانون لا للتصريحات!

ما علمته ورأيت بعضه ان هناك استثمارات زراعية واسعة في منطقة الديسي تمتد على الاف الدونمات الزراعية المروية تنظمها عقود مضى على بعضها ربع قرن وقد أثبتت هذه الاستثمارات نجاحها بكل المعايير من حيث جدواها ومردودها الاقتصادي وحجم تشغيل الايدي العاملة ورفد ميزانية الدولة وتوسيع أفق التصدير والتميز فيه والخبرات المتراكمة المكتسبة..
الشغب المجاني او النقد المفتعل الذي اصاب مناخ الاستثمار وبيئته هناك ما كان له أن يتصاعد لو جرى الحسم والرد عليه أولاً بأول ولو أن الموقف الرسمي العام كان مع الاستثمار والى جانبه ولكن نفراً ظل دائماً يرى في الاستثمار نقيض الاقتصاد الريعي استفاد من موجة النقد العامة وصعّدها واستثمر فيها بأسلوب العرائض والتحشيد ولذا جاءت تصريحات رسمية متناقضة حول التعامل مع هذه الاستثمارات التي هي متباينة في صلابة عقودها وفي اهلية مستثمرها وفي ما تراكم على بعضها من استحقاقات وقد وصلت بعض التصريحات حتى من مسؤولين الى التهديد بوضع اليد والمصادرة دون قراءة كافية للعقود أو معرفة الدوافع والأسباب أو حتى القدرة الدقيقة على المتابعة بعد اصدار الاحكام والآراء..
أسلوب الفزعة والتلويح بالتهديد لارضاء هذا الطرف أو ذاك وبعيداً عن الاحتكام للنصوص القانونية وأهلية العقود المبرمة ظل دائماً يهدد الاستثمار ويصيب مناخاته ويهرب المستثمرين ويدعوهم للتساؤل حول استقرار التشريعات والاعتماد عليها..
في الفترة الأخيرة كما قرأت نشرت تصريحات منسوبة الى جهات رسمية في الحكومة بايقاف عقود استثمارية والغاء بعضها وتصورات متناقضة لما سيكون عليه الوضع بعد وضع اليد على الأرض المزروعة وخاصة تلك التي عليها اشجار مثمرة مضى على زراعتها وتجديدها أكثر من عشرين سنة..فهل يجري تدميرها ولصالح من؟ والى أين ستؤول هذه الأراضي الزراعية ان اخذت من مستثمرها وعطلت عقودها ومن يتحمل المسؤولية ومن يعوض المستثمرين وكيف تحسم هذه القضايا؟ وهل البديل الذي لم يسمَّ لاستثمار هذه الأراضي جاهز للاستفادة منها. او حتى لملء الفراغ وتسديد الالتزامات المترتبة على هذه المشاريع الكبرى.. ام أن في ذهن البعض تحويلها الى واجهات عشائرية وأماكن رعي وإعادة تصحيرها ام ماذا؟..نتمنى أن نرى البديل وأن نسمع عنه..
المستثمرون كما علمت يقرأون التصريحات في وسائل الاعلام وهي تصريحات لها طبيعة استهلاكية تستهدف ارضاء فئات احتجت على ما هو قائم دون أن تجري معها حوارات كافية لتبصيرها بمعطيات الواقع وقانونيته..والمستثمرون أمام التساؤلات التي وجهت لهم لم تصلهم كتب رسمية ليتسنى لهم التصرف على أساسها وانما تصريحات عبر وسائل الاعلام وعلى ألسنة بعض من يرون أسلوب المصادرة وهذا النوع من السلوك حيث تبقى التصريحات في اطار الاستهلاك والتهديد والتلويح دون كتب رسمية يخلق اشكالاً من التعبئة السلبية والارتباك وتعطيل المصالح والحاق الضرر بالاقتصاد الوطني ومثل هذا النوع من التصريحات المتزايدة الذي بدأ يسري في الحياة العامة الاجتماعية والاقتصادية لامتصاص ردود الفعل الشعبية لا يتوقف في حدود مناقشة قضايا الاستثمار بل يصيب الانجازات ويستعمل لمحاربة الفساد الذي ما زال يجثم والذي ما زال فاعلوه يسمعون جعجعة ولا يصيبهم العقاب وفي أحسن الاحوال شتماً ويستمرون على ما هم عليه في الاحتفاظ بما أخذوا..
أتمنى أن تكون الأمور في معالجة القضايا التي ترى الحكومة ضرورة معالجتها مستندة الى قراءة دقيقة والى سند قانوني وبعيدة عن الشعبية السريعة والاستهلاك السياسي والوجبات الاعلامية التي تزايدت وأصبحت تنال من الاقتصاد الوطني لصالح مصطلحات جديدة لا تنطبق على واقعنا ولا تجد مجالاً فيه لتطبيقاتها مثل الاقتصاد الاجتماعي والتحكم في السوق لدرجة التدخل السافر والفج..
مشاريع الديسي على اختلافها بحاجة الى التروي في اتخاذ القرارات والى حوار حول واقعها وأهميتها وكيف يمكن تطوير واقعها ان كان للحكومة تصورات لا أن تقلع دون أن تزرع ولا ان تهدم دون أن تبنى ولا ان تجيب قبل أن تسأل.. يجب الاستماع الى الرأي الآخر واذا كان الرأي الآخر في الاقتصاد والاستثمار لا يسمح له بما يكفي للدفاع عن مصالحه وتبريرها فيما يفيد سماع الراي الآخر في السياسة طالما اردنا الاصلاح السياسي من أجل الاقتصادي والاجتماعي والإرتقاء بالمصالح الوطنية وبناء الدولة المدنية التي يضبطها القانون..(الراي)