حماس : هل تستبدل «المناكفة» بالسياسة ؟!

استقبلت حماس، بكثير من السخرية والتشكيك والاتهامية، موقفين هامّين، صدرا عن السلطة الفلسطينية خلال الأشهر القليلة الفائتة: الأول، ويقضي بحمل ملف "الاعتراف بالدولة الفلسطينية" إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة...والثاني، ويدعو لإطلاق انتفاضة شعبية - سلمية، تحاكي "ربيع العرب"، وتمتد بامتداد الأرض المحتلة....وفي الحالتين، تخطت مواقف حماس التشكيك بنوايا السلطة وجديتها إلى "الغمز" و"اللمز" من جدوى الموقفين/ الخيارين.
كنا سنتفهم تماماً مواقف حماس، لو أنها وضعت التوجه للجمعية العامة في سياق استراتيجية فلسطينية شاملة وبديلة...كنا سنتفهم موقف الحركة لو أنها طالبت بعدم الاكتفاء بالرهان على الجمعية العامة وما يمكن أن يصدر عنها من قرارات، وطالبت بوضع "معركة الاعتراف التكتيكية" في سياق "الحرب الاستراتيجية" لانتزاع الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني...أما الاكتفاء بالسخرية من هذا التوجه، ووصفه بـ"الهراء" كما فعل الدكتور محمود الزهّار، فهذا أمر لم نفهمه إلا في سياق "المناكفة" و"النكاية"، سيما وأننا لا نعرف بالضبط ما الذي تفعله حماس هذه الأيام، وكيف تترجم "برنامجها المقاوم" على الأرض...نحن لا نرى أفعالاً بل "تصريف أعمال" و"إدارة يومية للأحداث" لا أكثر ولا أقل، وغالباً في شؤون حياتية يومية أو فصائلية، ليست في صلب المواجهة مع الاحتلال.
وأن يجري الحط من قدر "الانتفاضات الشعبية - السلمية" لأن الدعوى لها صدرت عن "أبو مازن"، فهذا أمر غير مفهوم أيضاً، خصوصاً في زمن "الانتفاضات الشعبية - السلمية العربية" التي دكّت عروش الطغيان والاستبداد والفساد...فإن كان "الاعتراض" منصباً على "عدم جدية" الرئيس عباس، بما يمثل ومن يمثل، فلتُمسك حماس بالراية، راية المقاومة الشعبية - السلمية، ولترفع هذه الراية في وجه الجدران والاستيطان والحواجز، ولتُعدْ إنتاج انتفاضة 1987، انتفاضة الأطفال والحجارة، ولتَمتحن صدقية عباس وفيّاض وفتح والسلطة والمنظمة...أما الاكتفاء بالقول: لم لا تفعلها فتح؟، والتساؤل: لم لا يفعلها عباس؟، فإنه يستدرج أسئلة ويستنسخ تساؤلات أهمها: لماذا تحجم حماس عن قيادة "الحراك الشعبي – السلمي الفلسطيني" في مواجهة الاحتلال...لماذا لا تأخذ بيدها زمام المبادرة، وعندما تتصدى لها السلطة، ويصدر الرئيس عباس أوامره بمطاردة المنتفضين والمحتجين، حينها ستسقط المزاعم، ويتميز غثُّ المواقف عن سمينها.
في "ربيع العرب"، الذي تقف جماعة الإخوان المسلمين في القلب من أحداثه ومعمعاته، لا تبدو مبررات حماس للإحجام عن إشعال "غضب الضفة"، منطقية ومقبولة...ثمة عشرات ألوف المعتقلين في سوريا ومع ذلك فالانتفاضة مستمرة...عضوية الجماعة تستوجب الإعدام قانوناً في سوريا، بينما عضوية حماس لا تستوجب أكثر من السجن لفترات قصيرة، في سجون السلطة أو إسرائيل، إن لم تكن مرتبطة بالمشاركة في تخطيط وتنفيذ عمليات عسكرية هنا أو هناك...في سوريا الإخوان جزء من الانتفاضة، وفي الضفة الغربية لا انتفاضة ولا ثورة شعبية - سلمية، ولا ما يحزنون.
إن كانت أشكال النضال المقترحة، والتي نشارك حماس اعتقادها بأن السلطة غير جادة في ممارسة الكثير منها، بما فيها إشعال انتفاضة شعبية - سلمية استجابة لـ"دعوة" الرئيس عباس...أقول ان كانت أشكال النضال هذه، سياسيا وجماهيرياً ودبلوماسياً وحقوقياً، غير مقنعة لحماس، ولا تزيد عن كونها "هراء"...وإن كانت المقاومة بخياراتها المسلحة معطلة موضوعياً منذ "الرصاص المصبوب"، فما الذي يتعين على الشعب الفلسطيني فعله لكي يرفع كلفة الاحتلال، ويُعجّل في رحيل المحتلين...هل يتعين على الشعب الفلسطيني أن يتنظر حتى تستكمل حماس جاهزيتها وجاهزية القطاع لاستئناف العمليات العسكرية والمقاومة المسلحة ؟!...متى سيحصل ذلك؟، وهل سيحصل فعلاً؟...أما من دروس مستوحاة من "ربيع العرب" وطاقة المقاومة السلمية الجبّارة للجماهير العريضة ؟...لماذا لا نشتق هذه الدروس ونعمل بوحيها ؟...من قال أنه يتعين انتظار جهوزية السلطة لخيار المقاومة الشعبية السلمية ؟...لماذا لا نعلق الجرس ونفضح "كذب السلطة وزيف ادعاءاتها" ؟...لماذا لا نضع الجميع، السلطة والاحتلال، أمام المحك العملي ؟...ألم يثبت بالملموس أن "الكف" في ميدان التحرير وشارع بورقيبة ودرعا وصنعاء وبنغازي، قد قاومت المخرز ؟...أين الأكف الفلسطينية، ولماذا الإصرار على شكل واحد مُعطّل من أشكال المقاومة ؟...إما هو وإما "الهراء" ؟.
لسنا في الحقيقة نرى في هذه "النكايات" سياسة أو مشروع سياسة يمكن اقتراحها على الشعب الفلسطيني...من لا يريد التوجه للأمم المتحدة، عليه أن يتأمل حجم الانزعاج الإسرائيلي من هذه الخطوة، ليرى ان كان موقفه صائباً أم لا...من لا يريد الذهاب إلى مقاومة شعبية - سلمية، عليه أن يتأمل في حجم القلق الإسرائيلي من مخاطر امتداد شرارة الانتفاضات الشعبية إلى الداخل أو عبر الحدود...عليه أن يقرأ صفحات القلق وإمارات الذعر التي ارتسمت على وجه قادة تل أبيب في إثر مسيرات حق العودة...من لا يقوى على مقاومة إسرائيل اليوم، فعليه مشاغلتها من باب أضعف الإيمان...من لا يريد أن يفكر بكل هذا وذاك، لأن فتح أو رئيسها، طرحت هذه الشعارات أو أشارت إليها، ولو من باب المزايدة والمناقصة، فهو يقارف ذات الخطيئة، و"ينهى عن خُلقٍ ويأتي بمثله"..والبقية عندكم أعزائي القراء.(الدستور)