إسرائيل تلجأ لـ”الوساطة الافتراضية” بين روسيا وأكرانيا لاصطياد ثلاثة عصافير بحجر واحد

المدينة نيوز :- فيما يفترض أن تتم جولة المفاوضات الثانية الخميس في روسيا البيضاء بين وفدين من روسيا وأكرانيا تواصل إسرائيل الظهور بصورة الدولة الوسيطة بين طرفي الحرب رغم أنها لا تملك رافعات ضغط وتأثير كافية لوقف النار مثلما أنها تعدم أي قوة أخلاقية تجعل من هذه الوساطة أمرا معقولا يمكن تصديقه.
تمضي إسرائيل في تأكيد تضامنها مع محنة الشعب الأكراني وسط تجاهل مأساة الشعب الفلسطيني الناجم عن احتلالها ولذا ينطبق عليها قول انجيل لوقا: “ما بالك تنظر إلى القشة في عين أخيك ولا تبالي بالخشبة في عينك؟ بل كيف تقول لأخيك: دعني أخرج القشة من عينك وها هي الخشبة في عينك أنت؟ يا مرائي أخرج الخشبة أولا من عينك وعندئذ تبصر جيدا فتخرج القشة من عين أخيك”.
“كلمة الحق تسبق”، يقول المثل الشعب وهو الآخر ينطبق على هذه الوساطة الإسرائيلية الافتراضية والتي تعتبرها حتى أوساط إسرائيلية نكتة ثقيلة دم. منذ الأيام الأولى للأزمة المندلعة في فبراير/ شباط الماضي كانت إسرائيل قد ابتلعت لسانها طيلة أيام كثيرة في محاولة للاحتفاظ بالعصا من طرفيها خدمة لمصالحها غير آبهة بدعوات يهودية محلية وعالمية للأخذ بالحسبان اعتبارات أخلاقية وإنسانية لا حسابات المصالح فقط. لكن حكومة الاحتلال صمتت طيلة أيام أو اكتفت بثرثرة ضبابية عامة تدعو لوقف الحرب أو تمني السلام للأوكرانيين أو الاكتفاء بانتقادات مخففة ملطفة مبني للمجهول دون استخدام كلمة روسيا في الانتقادات.
وقبيل طرح مشروع قانون إدانة روسيا في الجمعية العامة الأربعاء حظرت على سفيرها هناك غلعاد أردان أن يتحدث واستبدلته بنائبته في محاولة لتخفيف المستوى الدبلوماسي الذي يمثلها هناك وكل ذلك يندرج ضمن مساعيها المهووسة للبقاء في دائرة الحياد وعدم استفزاز فلاديمير بوتين.
اتساع العقوبات
على خلفية اتساع العقوبات الاقتصادية في العالم تصاعد التوتر العالمي وعودة أجواء الحرب الباردة بين روسيا وبين الغرب بشكل عام والولايات المتحدة بشكل خاص وإزاء انتقادات داخلية ابتكرت حكومة الاحتلال فكرة الوساطة بين طرفي النزاع في محاولة لاصطياد عدة عصافير بحجر واحد أولها الحفاظ على مصالحها المتنوعة مع روسيا وأكرانيا، استبدال صورة الدولة المحايدة التي ترجح كفة المصالح دون اعتبار للأخلاق والظهور بصورة الدولة القوية الفاعلة اللاعبة في الحلبة الدولية والتأثير على وعي العالم بكل ذلك.
في الأيام الأولى للحرب وردا على أسئلة صحافية صعبة أو تصريحات محلية ودولية تنتقد حيادها كان بعض المسؤولين الإسرائيليين يشيرون لضرورة الحفاظ على المصالح الهامة لإسرائيل. وعلى رأس هذه المصالح الحفاظ على التعاون الأمني مع روسيا في سوريا والتمّتع بحرية الحركة ومواصلة قصف مواقع وأهداف لإيران في الأراضي السورية ومنعها من التموضع فيها. هذا ما أكده ويكرّره وزير خارجية الاحتلال يائير لابيد في الأيام الأخيرة ويشير لوجود مجموعتين كبيرتين من اليهود والإسرائيليين في كل من روسيا وأكرانيا ينبغي الحفاظ عليهم.
وفي تصريحاته تحاشى لابيد وزملائه ممن تحدثوا في موضوع الحرب الإشارة لمنظومة المصالح الاقتصادية والاستخباراتية والدبلوماسية مع طرفي النزاع خاصة أكرانيا التي سبق وأعلن رئيسها فولوديمير زيلينسكي تماثل بلاده التام مع إسرائيل في الصراع مع الفلسطينيين وسبق أن سارع لتأكيد ذلك خلال عدوان “حارس الأسوار” على غزة في مايو/ أيار المنصرم.
استغاثة زاينسكي والحسابات غير المعلنة
من جهته يبدو أن زيلينسكي كان يعتقد أن إسرائيل ستكافئه وستسارع للاستجابة لطلباته بإبداء موقف واضح وتوجيه الانتقادات للاعتداء الروسي وتلقي أسلحة دفاعية فعالة ومساعدات لوجستية حينما هاتف رئيس حكومتها نفتالي بينيت يوم الأحد الماضي. نفتالي بينيت اكتفى من جهته بإصدار تعليماته بتأمين 100 طن من المساعدات الإنسانية وتهرب من مدّ كييف بالسلاح ومن تسجيل موقف سياسي واضح.
ويبدو أن هناك حسابات غير معلنة أخرى لدى إسرائيل وهي تاريخية تعود للحرب العالمية الثانية وتعاون أكرانيين مع النازيين خلال المحرقة كما جاء في اتهامات أوساط إسرائيلية رسمية وشبه رسمية وجهت لـ أكرانيا وكذلك لبولندا في الماضي. هذه الحسابات التاريخية على نفتالي بينيت ربما هي ما يفسّر قرار وزيرة الداخلية في حكومة الاحتلال بطرد عشرات اللاجئين الأكرانيين ممن وصلوا مطار اللد الدولي وتم ردهم على أعقابهم ومن غير المعقول أن يكون القرار للوزيرة وحدها.
لعبة الوساطة الافتراضية
بعد المكالمة مع زلينسكي يوم الجمعة الماضي سارع ديوان نفتالي بينيت للكشف عنها واستثمارها وتكرّرت الكرة بعد ثلاثة أيام، الثلاثاء الماضي، حينما عاد رئيس أكرانيا وألحّ على نفتالي بينت طالبا مساعدات عسكرية ثم ما لبث أن نشر منشور استغاثة باللغة العبرية على حسابه في التيلغرام حاول فيه دغدغة عواطف اليهود في العالم أيضا مذكرا بـ”مساعدة أكرانيا لليهود ومنحهم ملجأ خلال الحرب العالمية الثانية”.
وقبل ذلك كتب زيلينسكي في حسابه على “تويتر” أن المحادثة مع بينيت تركزت حول “العدوان الروسي”. كما ناقش الاثنان استمرار المساعدات الإنسانية الإسرائيلية لأوكرانيا”. لكن حكومة الاحتلال بقيت على موقفها الهادف للبقاء في موقف تحتمله روسيا كما أشارت هي بنفسها بالتلميح قبل أيام من خلال بيان صدر عنها يقول إنها تتفهم معضلة إسرائيل وستبقي على تنسيقها الأمني في سوريا حيث توجد مصلحة مشتركة تتمثل بعدم تمكين إيران من التمدد ومراكمة قوة أو نفوذ كبير يهدد أطماع روسيا في سوريا. في التزامن استثمرت استغاثة أكرانيا مكالمة رئيسها اليهودي زيلينسكي من أجل لعب لعبة “الوساطة” فبادر رئيس حكومتها نفتالي بينيت للاتصال مرتين بفارق أربعة أيام هذا الأسبوع بالرئيس بوتين.
مصلحة الكرملين
من جانبه، قال الكرملين في بيان، إن بوتين وبينيت ناقشا عملية موسكو العسكرية في أوكرانيا، وذلك في مكالمة هاتفية “طلبها الجانب الإسرائيلي”. الكرملين المعني ببقاء إسرائيل على موقفها خاصة إزاء العزلة الواسعة أوضح أن بوتين أبلغ بينيت أن مراعاة المصالح الأمنية لموسكو من بين الشروط الرئيسية لتسوية الصراع، مضيفا أن الزعيمين اتفقا على مواصلة الاتصالات الشخصية. وبعد تسريب أمر المحادثتين رفض ديوان بينيت التطرق لأسئلة صحافيين إسرائيليين عما إذا كان بينيت قد أوصل رسالة من زلينسكي لبوتين ويبدو أن هذا التكتم يندرج ضمن سياسة لف الموقف بالضباب وخدمة للعبة الوساطة الافتراضية.
كيف نصرخ ضد النفاق العالمي إذن؟
وردا على سؤال الإذاعة العبرية العامة المنحازة للجانب الأوكراني كبقية وسائل الإعلام الإسرائيلية قال وزير الاتصالات في حكومة الاحتلال يوعاز هندل صباح الخميس إن إسرائيل مضطرة للحفاظ على مصالحها الحيوية بسبب الحالة الراهنة المركبة. ولكن كيف يمكن لسفير إسرائيل في الأمم المتحدة أن يصرخ في خطاباته ضد “العالم المنافق” الذي يصمت ولا ينتقد جهات عربية أو إسلامية أو فلسطينية تمس بإسرائيل وهي بنفسها تصمت على احتلال روسي لـ أكرانيا؟ على هذا السؤال قال وزير الاتصالات هندل إن إيران عدوة خطيرة لنا وعلينا خدمة مصالحنا”.
إزاء تفاقم الحرب في أكرانيا وتصعيد الغرب لعقوباته على روسيا واشتداد التوتر في العالم صوتت إسرائيل لجانب قرار الأمم المتحدة الداعي للانسحاب الروسي لكنها تواصل محاولات كسب الوقت والسير بين النقاط. غير أن عدد من المراقبين الإسرائيليين يحملون على هذه السياسة المتذاكية ويقولون إنها غير أخلاقية ولا تنسجم مع مزاعم وسياسات إسرائيل المعلنة منذ عقود علاوة على كونها فاشلة وستؤدي بنهاية المطاف لتبلل إسرائيل رغم المشي الحذر بين النقاط.
من هذه الأصوات القائد السابق للاستخبارات العسكرية- رئيس معهد دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب الجنرال في الاحتياط عاموس يادلين. في مقال نشره موقع القناة العبرية 12 قال يادلين إنه ينبغي على إسرائيل أن “تنزل عن الجدار” وإسماع صوت حاد وواضح ضد “العدوانية الروسية”.
وأضاف يادلين “حتى عندما نأخذ بالحسبان الحاجة الأمنية بصيانة حرية حركة المقاتلات الإسرائيلية في سماء سوريا لكن المصلحة الإسرائيلية الأهم الآن تتمثل بالوقوف لجانب الولايات المتحدة والغرب”. داعيا للتذكر من هي الحليفة الحقيقية الوحيدة لإسرائيل ومن هي الدول التي تغازل أخطر أعداءنا بذكاء. يشار إلى أن بعض المسؤولين الأمريكيين السابقين والحاليين أمثال وزير الدفاع الأسبق وليام كوهن كانوا قد وجهوا انتقادات مباشرة وغير مباشرة لـ إسرائيل المتمترسة في موقف الحياد.
انتقادات إسرائيلية لموقف الاحتلال
وكان المعلق السياسيى أوري مسغاف أكثر وضوحا وحدة في توجيه النقد ولدواع مختلفة عن تلك الحسابات النفعية بالأساس التي ساقها يادلين فقال في تعليق تنشره “هآرتس” الخميس “أخجل أن أكون إسرائيليا في هذه الأيام” وهاجم فيه ازدواجية المعايير في السياسة الإسرائيلية الرسمية. من جهته تساءل بلهجة ساخرة الكاتب الصحافي الإسرائيلي اليساري من أصل روسي ديمتري شومسكي بالقول عن تهم إسرائيلية توجه بالتلميح أو بشكل غير رسمي لأكرانيا: كيف يمكن ينتخب شعب لاسامي رئيسا يهوديا؟.
يشار إلى أن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية يكاد يغيب في الجدل الإسرائيلي الداخلي حول الموقف من الحرب وطرفيها. وعندما تجرأ أحد نجوم البرامج الواقعية في القناة الإسرائيلية 13 على القول “ونحن محتلون وليس روسيا فقط” تعرض لهجمات وعمليات شيطنة واسعة في منتديات التواصل الاجتماعي الإسرائيلية.
ووسط كل ذلك تتساءل أوساط فلسطينية كيف ومتى يمكن للقيادة الفلسطينية الرسمية وغير الرسمية استغلال الحرب في أكرانيا وتصاعد العقوبات الدولية على روسيا بسبب احتلالها من أجل التذكير باحتلال إسرائيل للأرض الفلسطينية ومواصلة تهويدها دون عقوبات على الأرض؟
المصدر : القدس العربي