بين القوة الصلبة والناعمة

من الكتب المهمة التي تستحق القراءة والتمعن جيدا كتاب الدكتور رفيق عبدالسلام (امريكا بين القوة الصلبة والقوة الناعمة) وهو من اوراق الجزيرة واصداراتها عام 2008 فاما القوة الصلبة فممثلها النظري المؤرخ فيرجسون (لا يوجد في تاريخنا خارج البحار ما يخجل) وكريستول مفكر الحرب الخارجية, وفريق المحافظين الجدد ومرجعيته الداروينية وخاصة توماس هوبز الاب الروحي لهؤلاء المحافظين بدءا من ريغان وانتهاء بفريق بوش: وولفتز, بيرل وبولتون الذين صاغوا استراتيجية الاستحواذ الاحادية, وتحالف الراغبين لا الشركاء 2002 .
واما القوة الناعمة الجديدة فعادت الى الظهور مع تفاقم الازمة الامبريالية الاقتصادية وتفاقم المأزق الامريكي العسكري في العراق وافغانستان وصعود الصين وصحوة روسيا, وتصاعد المقاومة في الشرق العربي.
فبعد ان عبرت هذه القوة عن نفسها في فترة كلينتون ثم تراجعت عادت لتحريك مشروع سابق لخصومها وتوسيعها وهو مشروع الاصلاح الديمقراطي للعالم الاسلامي 2002 الذي ركز على اربعة محاور ليس بينها اي اصلاح سياسي, هي المرأة التعليم, القطاع المالي ووزارات التخطيط, والمنظمات غير الحكومية, وقد عهد لصناديق ومؤسسات امريكية لمتابعتها مثل بيت الحرية ونيد.
بيد ان ما كتبه جوزيف ناي (القوة الناعمة) هو الاهم على هذا الصعيد انطلاقا من مقاربات اخرى تتوسل ادوات هيمنة غير مباشرة تعيد دمج العالم في منظومة المصالح الامريكية.
ومن هذه المقاربات دراسات الالماني جانتونج حول الترويض الثقافي ودراسات بورديو حول الرأسمال الرمزي عبر الهيمنة الثقافية, وتحذيرات الالماني شبنغلر من تراجع اوروبا الرأسمالية كما استند ناي الى محطات مهمة في التاريخ الامريكي نفسه فبعد الحرب العالمية الاولى اطلق الرئيس الامريكي ولسون دعوته للغزو السلمي للعالم عبر ما عرف بمبادئ ولسون.
وبعد الحرب الثانية اطلقت امريكا مشروع مارشال لاعادة دمج اوروبا في النظام الرأسمالي وتحصينها ضد الشيوعية.
وها هو ناي يستلهم هذه المحطات لغزو سلمي جديد باسم الديمقراطية تفكيك الحرس القديم واعادة دمج العالم, في منظومة المصالح الامريكية عبر اشكال مختلفة من الثورات الملونة: جورجيا 2003 واوكرانيا 2005 وثورة الارز في لبنان 2005 وهكذا مستعينا بادوات مدنية وثقافية واعلامية للهيمنة واعادة انتاج الوعي الجمعي عبر هذه الادوات : فضائيات وصحف واذاعات ومراكز حقوق الانسان والدراسات الخاصة.. الخ وجميعها تعزل هذه القضايا عن التحرر الوطني والقومي وتعيد تركيبها في خيارات سياسية تعمق التبعية للمصالح الرأسمالية خاصة الامريكية.(العرب اليوم)