تفعيل أم اعادة بناء؟
ما يزال الجدل محتدماً ازاء القنبلة المدوية التي فجرها رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الاسلامية حماس خالد مشعل، في شأن ما وصفه بالمفاجأة الكبرى ونية حركته وعدد من الفصائل الفلسطينية تشكيل مرجعية جديدة للشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، تكون بديلاً من منظمة التحرير الفلسطينية التي لم تعد في نظره ومن شاركه الرأي، قادرة على تمثيل كهذا..
وبعيداً عن استحضار نظرية المؤامرة أو الاتكاء على سنوات طويلة من الشكوك وانعدام الثقة التي ميزت علاقات الحركتين حماس وفتح كون الأخيرة هي المهيمنة على المنظمة وصاحبة القرار الأول فيها منذ أن نجح الرئيس الراحل ياسر عرفات في الوصول الى رئاستها اواخر ستينات القرن الماضي بعد اقصاء يحيى حمودة الذي خلف الرئيس الأول لها احمد الشقيري فإن من اللافت هو التوقيت الذي اختاره دعاة انشاء منظمة بديلة لاعلان موقف كهذا، وبخاصة ان مرحلة ما بعد محرقة غزة، تستدعي موقفاً مغايراً يحول دون تعميق الانقسام والتمترس خلف خطاب فصائلي، حتى لا نقول موحداً، لأن حلماً كهذا يبدو بعيد المنال في الراهن الفلسطيني.
اذا لم نقع في مربع التكهنات او القراءات الرغائبية، فان رد الفعل الأولي للمراقب شبه المحايد على اعلان حماس يمكن ان يترجم الى انه بالون اختبار او رغبة في رفع سقف المطالب لتحسين شروط التفاوض (اقرأ الحوار) وبخاصة ان موعد الخامس من شباط يقترب، وهو الموعد الذي على حماس ان تجيب فيه على اسئلة الوسيط المصري حول شروط ومدة وعناصر التهدئة المقترحة بين اسرائيل وحماس، ناهيك عن ان المبادرة المصرية تنطوي على بنود اخرى راج ان المصريين قالوا لمندوبي حماس ان عليهم ان يقبلوها كاملة او يرفضوها كاملة ونقصد هنا الحوار او المصالحة الفلسطينية الفلسطينية.
وإذ يصعب الذهاب بعيدا في وصف اعلان حماس (وهنا لم يقل مشعل وحده بل شاركه القيادي في الحركة خليل الحية يوم اول من امس في مهرجان خطابي بغزة كرر فيها الدعوة الى انشاء مرجعية بديلة لمنظمة التحرير التي لم تعد تمثل الشعب الفلسطيني) ومن ايده من منظمات وفصائل اخرى تتخذ من دمشق مقرا لها علما ان لا واحدة من الحركات او الاحزاب او الفصائل الموجودة في رام الله او غزة ايدت دعوة حماس كذلك كان موقف حركة الجهاد الرافض لهذه الفكرة لافتا، نقول يصعب القول ان اعلان حماس يدخل في باب السذاجة السياسية او المراهقة السياسية كمصطلح شاع في اوساط اليسار ستينات وثمانينات القرن الماضي، فإننا نكون امام قنبلة ارتجاجية او القاء حجر ضخم في بركة ماء آسنة، جرى قذفه في سرعة واستعجال، بهدف احداث هزة دفعت الجميع في الساحة الفلسطينية سلطة ومعارضة، فتح وحماس، منطق المفاوضات امام منطق او ثقافة المقاومة كما يحلو للناطقين باسم حماس ان يقولوا هذه الايام، لحفر الخنادق والتمترس فيها ومحاولة حشد ما يمكن من انصار واصدقاء للاصطفاف الى جانبهم.
احسب انه لن تقوم منظمة او مرجعية بديلة عن منظمة التحرير وان حماس ومن معها من تنظيمات وفصائل، انما لجأت الى اعلانها المفاجيء بقصد دفع فكرة اعادة بناء منظمة التحرير على اسس جديدة كما كان تم الاتفاق عليه في اتفاق القاهرة قبل عامين (2006) الى الأمام ووضعه على رأس جدول اعمال أي حوار او مصالحة جديدة بعد ان شعرت حماس انها باتت اكثر قوة ما يؤهلها الى فرض قواعد جديدة للعبة قديمة او لعبة جديدة بقواعد يجري التوافق عليها لاحقا..
فهل ثمة ما يمكن ترجيحه في هذا الشأن؟
ليس جديدا القول ان الخلاف حول تجديد منظمة التحرير الذي توصل اليها الافرقاء الفلسطينيون في القاهرة قبل اعوام قليلة، كان يدور حول كلمة او مصطلح اعادة بناء او اعادة تفعيل، حماس وانصارها من دعاة الخيار الاول فيما فتح/السلطة ومن معها، مع اعادة التفعيل..
واذ بدا الطرفان الآن في موقف دفاعي لا يحسدان عليه بعد ان بات التهديد باقامة مرجعية جديدة ظاهرا للعيان لكن بلا تأييد فصائلي او شعبي فلسطيني حاسم وايضا بعد ان انكشف هزال منظمة التحرير وعدم رضا اغلبية من هم فيها عن حالها البائس الراهن، فان الوقت قد حان لادراج هذا البند اعادة بناء او تفعيل المنظمة على رأس جدول اعمال أي حوار او مصالحة فلسطينية فلسطينية مقبلة لأن لا بديل غير الانتحار ولا نحسب ان فتح او حماس في وضع يسمح لهم بترف استمرار هذا الصراع والتناحر بعد ان بدا المشهد الفلسطيني الاخير باعثا على الشفقة (إقرأ الغضب)اكثر مما هو باعث على الاعتزاز، رغم ما قدمه الغزيون من تضحيات جسام ورغم عودة القضية الفلسطينية الى وهجها وحضورها على جدول الاعمال الدولي سياسيا وقانونيا وخصوصا تضامنا دوليا لم يكن حاضرا منذ اوسلو حتى ما قبل محرقة غزة..
الرأي