محاكمة محسومة سلفاً

احتاج رئيس المحكمة الجنائية في القاهرة لأن ينبه ستماية متفرج إلى أنهم في قاعة للقضاء وليس في مسرح ، ولكن هذا التنبيه لم يخدم أكثر من إقرار الحقيقة وهي أننا بالفعل إزاء مسرحية للانتقام والتشفي.
تقررت المحاكمة تحت ضغط الشـارع ، فكيف يمكن أن تتحقـق العدالـة في ظل الضغوط الشعبية على المجلس العسكري الحاكم وقضاة المحكمة. ما يحدث في القاهرة كثير من السياسة وقليل من العدالـة ، والحكم النهائي صادر سـلفاً ، فلا معنى لإضاعة الوقت في إجراءات شكلية لن تغير شـيئاً.
من حق من يشاء أن ينتقـم من الرئيس السابق ، وأن يتشفى بإذلاله ، وليس معروفاً أين كان هؤلاء (الشجعان) طيلة ثلاثين عاماً من الصمت إيثاراً للسلامة. سلطة الدولة التي استخدمها الرئيس لإسكات المعارضين تستخدم الآن لإذلاله والحكم على كل ما يمثله ويرمز إليه.
عمل مبارك ثلاثين عاماً كجنـدي طيار وقائد سلاح الجـو ، وقام بدوره في حرب العبور (1973) ، وشـاءت الأقدار أن تجعل منه ولمدة ثلاثيـن عاماً آخر رئيساً لمصر ، وقائداً أعلى لقواتها المسـلحة ، ورئيساً لأكثر من مؤتمر قمة عربي ، فلا أقل من تركه يموت بكرامة ، لأن إذلاله ينعكـس على مركزه في القوات المسلحة والدولة المصرية ومؤتمرات القمة العربية.
الرئيس السابق متهم بقتل الثوار ، فهل من حـق رئيس دولة أن يأمر قوات الأمـن أو يسـمح لها باستعمال القوة في فض اعتصام مفتوح يرى أنـه يعطل الحياة العامة ويغلق عقـدة مواصلات في عاصمة مكتظة بالسكان والسيارات؟.
الدولة قـوة قاهرة وباستطاعتها استعمال القـوة لفرض النظام والقانون. أما نتائج استخدام القوة ومنها القتل فتتقرر ميدانياً ، وليس على مستوى رأس الدولة الذي يتحمل المسؤولية السياسية.
يسـتطيع من يشاء أن يعدد أخطاء وخطايا مبارك ، ولكن ألا يكفي استرداد أموال الشعب وتركه يموت ميتـة طبيعية احتراماً لما يرمز إليه في تاريخ مصر. وهو عجـوز مريض في منتصف العقد التاسع من العمر ، وليس أهلاً للمحاكمة ، وخاصة للعرض الانتقامي لمجرد إرضاء الشارع.
محاكمة مبارك وإذلالـه لا تشكل رادعاً لغيـره من الحكام المستبدين. والعبـرة التي سيأخذونها هي التشـدد في استعمال العنف للحفاظ على السلطة بأي ثمن ، كما يحصل في سورية لأن البديل معروف.(الراي)