«يوم يعض الظالم على يديه..»!

ها هي الأوراق تتكشف في التحقيقات المصرية..وقد كانت السجادة التي أزيلت تخفي تحتها أوساخ كثيرة ظلت تتراكم حتى أصبحت جبلاً ولم يعد بالإمكان الجلوس فوقها..هذه الحال عربية أيضاً فهي لم تكن تسر صديقاً أو تغيظ عدواً..تتعرض الآن لرياح التغيير والاقتلاع في أكثر من دولة وبلد وعاصمة..
العرب كسائر البشر ولا يجوز أن يتميزوا بتصحر بلدانهم من الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة ولا أن يظلوا موضع سخرية الأمم ونقدها لما وصلوه من ضعف وخنوع وسماح للأمم بالتعدي عليهم..واستبدال قدراتهم في دفع أعدائهم عن أوطانهم بضرب شعوبهم ومحاصرتها وقتلها وقطع الماء والكهرباء عن المدن والقرى والأرياف كما لاحظنا وسمعنا في الأخبار ورأينا في الصور إلى جوارنا..
أيّ المجتمعات هذه التي نعيشها وأيّ صبر طال علينا وكنا نعتقد أن نظامنا العربي يعدنا للتنمية والحرية ومواجهة التحديات الخارجية والاحتلال الجاثم على فلسطين وغيرها وإذا نحن كمن «يصوم ويفطر على بصلة» وإذا السلاح والتدريب والموازنات تصرف في غير مواضعها وتتحول ضد الشعوب الغلبانة حين اشتكت وتذمرت فكان بانتظارها العقاب..
لقد تقشف المواطن العربي وشد الحزام على البطن ورضي بالقليل فلا طرق مناسبة ولا مستشفيات حديثة ولا جامعات قادرة على الإنتاج ولا نهضة ولا رفاه ولا حل لمشاكل الجوع والبطالة وبؤس مستويات الحياة أمام شعار «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» الذي بقي مرفوعاً دون أن نرى أو نعيش المعركة التي كان يوازيها نهب ثروات الشعوب وتسريبها لفئات محددة اكلت الاخضر واليابس. في التحقيقات التي تجري في مصر والتي تعكس خيار الشعب المصري المتحضر للقضاء والمحاكم المدنية وليس على شاكلة محكمة المهداوي في العراق في الخمسينيات قال محامي الرئيس المخلوع مبارك «إن المجلس العسكري المصري يتحمل المسؤولية عن قطع الانترنت عن المتظاهرين وانه لم يستشره في ذلك»..
الآن هذه مرحلة «يوم يعض الظالم على يديه» فماذا لو استشاره في هذه المسألة أو غيرها..هل كانت البصيرة تكشف للبصر عاقبة ما كان يجري..وما فائدة التبرير والهروب من المسؤولية..
الأنظمة القمعية لا تعتبر أنها تأخذ طريقها بنفس الكيفية وتعيد إنتاج نفس الدور المرسوم لأنها لا تقوى على طرح البدائل وقد اختارت طريقاً واحداً هو الأخذ بالعنف وبالتالي تحرق السفن البديلة..هل لاحظنا ذلك كيف يعاد إنتاج نفس الحالات والدروس؟..
ما يجري في سوريا ليس مقبولاً ويصعب على «الكافر» كما يقولون فلماذا وهل ليس هناك خيارات سوى هذا الأسلوب. حيث يقطع الماء والكهرباء والخدمات عن المواطنين وتعمم العقوبات الجماعية..من المسؤول عن ذلك وعن القتل والمداهمات؟؟
يعز علينا أن تصاب سوريا ونشعر بالألم الشديد والغضب حين يضرب شعبنا فيها فنحن من «أمة واحدة» خذلتها الشعارات التي لم يطبق منها شيء فلماذا استمرار السكوت العربي عما يجري؟ صحيح أننا لا نريد أن نصطف الى جانب أعداء سوريا..الذين ظلوا يستهدفونها..ولكن ما يجري لا يجب أن يمنعنا من أن نقف ضده ونشجبه ونعمل كل ما نستطيع لوقفه «فالساكت عن القمع شيطان أخرس».. وحرمة دم السوريين أهم من كل الشعارات والتبريرات..
الدروس القائمة في المنطقة يجب أن تضع العبرة لكل من يريد أن يعتبر حتى لا يعتقد أحد أن التغيير أصبح خلفه وأن الأزمات التي سببته في أكثر من بلد قد جرى تخطيها..
ما زالت أمامنا فسحة وما زلنا قادرين أن نستفيد مما جرى ويجري فنسارع لإطفاء أي حريق ونأخذ بدرهم الوقاية الذي هو خير من قنطار علاج حين ننفتح على الرأي والرأي الآخر ونؤكد على وحدتنا الوطنية وقدسيتها وعدم العبث بها وان لا نسمح للفاسدين والمستفيدين من أن يعاودوا تعكير المياه ليصطادوا فيها بمواصلة الهروب من استحقاقات المساءلة عما اقترفوا...
واذا كان من أعظم الجهاد المساءلة لأنها تعادل المقصود «بكلمة حق عند سلطان جائر» فلتكن طريق المساءلة مفتوحة لأن استغلاقها ظل مسؤولاً عما جرى في عالمنا العربي من فساد وبطش واستغلال سلطة وقمع وضعف واستخذاء أمام العدو واستقواء على الشعب..والآن هل يدرك الذين ظلموا انهم سيصلون الى حالة «يوم يعض الظالم على يديه».(الراي)