المقاطعة في وجه الاحتكار

الكل يتذكر مدى نجاعة وفاعلية حملة مقاطعة المنتجات الدنماركية في العالم العربي والاسلامي بعد نشر رسومات مسيئة للرسول الكريم قبل عامين, وكيفية تضامن كافة فعاليات المجتمع ومؤسساته في المشاركة بهذه الحملة التي كبدت الشركات الدنماركية خسائر فادحة ما زالت تعاني من اثارها لغاية الان.
في ايامنا هذه تشكو الكثير من الفعاليات الشعبية من ارتفاع الاسعار وعدم تجاوب الجهات المختلفة في الحد من تنامي هذه الظاهرة التي بدأت تستنزف جيوب المواطنين, وللاسف ما زال دور مؤسسات المجتمع المدني تجاه حماية المستهلك دون فاعلية ترتقي الى طموح المواطنين.
لذلك, لا توجد ضغوطات في اي شكل من الاشكال على الشركات او الجهات التي تمارس شكلا من اشكال الهيمنة على السوق وتحتكر الانتاج وتحدد الاسعار بطريقة متفق عليها, ويكاد يكون معدوما على المنتجين.
لا يتوقع ان تقود اي جهة حملة مقاطعة استهلاكية كما يحدث في دول العالم المختلفة في المرحلة الاولى وذلك لعدة اسباب اهمها عدم وجود مشاركة تفاعلية مع حملة المقاطعة من قبل مؤسسات المجتمع المدني والقوى السياسية والاقتصادية, والحقيقة اننا لا نكاد نسمع ذكرا لحملة المقاطعة سوى عندما نشاهد في الصحافة بيانا اعلاميا لجمعية المستهلك تناشد فيه المواطنين الامتناع عن شراء تلك السلعة.
ضعف حملات المقاطعة لها مدلولات مهمة تتعلق بمدى الخمول الحاصل في قوى المجتمع الرئيسية خاصة اولئك الذين يوجهون خطاباتهم مباشرة للرأي العام مثل ائمة المساجد ورجال الدين واساتذة الجامعات والحزبيين والنقابيين, حيث تجد خطابات وشعارات هؤلاء رنانة في مجالات السياسة الدولية والقضايا الاقليمية, في حين تجدهم في سبات عميق تجاه القضايا الوطنية خاصة التي تتعلق بحياة المواطنين اليومية, رغم اهمية تناول تلك القضايا, واعتقد ان الدور السلبي الذي تمارسه تلك المؤسسات والفئات تجاه القضايا الاقتصادية وتخدير الوضع هو متعمد لضعفها في طرح البدائل والحلول لمعالجة القضايا التي تقلق حياة المواطنين, في حين انهم يجدون بالقضايا الدولية متنفسا لهم امام الشارع العام, فالسياسة والخارجية منها بالتحديد تحتل اولوية الشعارات في خطابات تلك الفئات.
في ظل نظام السوق الحر يتراجع دور الحكومات لصالح القطاع الخاص في ادارة النشاط الاقتصادي, واذا فقدت الدولة اليات الرقابة على الاسواق والتدخل لضبط الاسعار بحجج واهية كما هو الحال في حكوماتنا التي تركت السوق للمحتكرين والمهيمنين عليها واخلت بتنافسية السوق ليصبح المواطن فريسة سهلة لهؤلاء ولا يبقى امامه سوى مؤسسات المجتمع وفعالياته المختلفة, لكن بقاء الحال على ما هي عليه الان من شلل وخمول, فان المستهلك لن يقوى على مجاراة هؤلاء التجار وسيكون خاضعا لابتزازات السوق وتقلباتها ولن يجد من يحميه لذلك فالحكومة التي لا تتدخل بالاسواق مطالبة بسن قانون عصري يحمي المستهلك ويشرك كافة اطراف المعادلة في عملية اتخاذ القرار وايجاد هيئة رقابية عليا تمتلك من الصلاحيات والاجراءات الكفيلة القادرة على ضمان المنافسة بالسوق والتي هي اساس الاقتصاد الحر.(العرب اليوم)