الأردنيون يزرعون حديقة الإصلاح !

سيظل الرابع عشر من آب عام 2011 علامة فارقة في سجل الحياة السياسية الأردنية، فقد جرى في قصر رغدان وبانجاز أردني قاده الملك بامتياز تدشين الطريق الى الاصلاح بتعديلات دستورية ملموسة توافق عليها الأردنيون في فضاء واسع..
لقد فتحت الطريق الى الاصلاح بخطوات قادرة على صياغة ربيع الدولة الأردنية بعيداً عما أصاب كثير من الربيع العربي بالجفاف أو الحريق..فهذه هي المرة الأولى التي يعدل فيها الدستور منذ أن وضع عام 1952 بهذا الحجم ولهذه الرؤية..
التعديلات الجديدة زرعت حقل الدستور بأشجار مثمرة فقد كان دستورنا بحاجة الى أن يسد حاجاتنا في التطور واللحاق بالعصر وأن يلبي حاجاتنا في المشاركة التي أصبحت أداة الاستقرار ورافعة البناء الوطني..
نعم لقد فتحت نافذة معقولة لدخول الهواء والشمس ورؤية الواقع..بعد ان توفرت ارادة فتحها وبكلفة قليلة خلاف ما كان الادعاء..
ما حدث هو ثمرة رؤية الملك ونبض الشارع ومطالبه في غالبيته العظمى ولم يكن رغبة على حساب أخرى ولكن الى جانب أخرى وملاقاة للتغيير في منتصف الطريق..
العبرة هي في التطبيق الان...تطبيق الدستور في مكوناته القديمة والجديدة وفي الاحتكام اليه وتفعيل نصوصه وجعل الجميع تحتها..كان يمكن أن تكون التعديلات رؤية ملكية محضة أو حتى ضغطاً من الشارع لكسر جمود الماضي وتوسيع اطاره...ولكن ذلك لن يصل الى التوافق ولن يقيم رحلة مشتركة وقواسم جامعة فكان هذا الخيار خياراً أن تضع لجنة ملكية باسم الأردنيين جميعاً.
رؤية اصلاح الدستور بتعديله لتمر هذه التعديلات في مراحل الشرعية المنصوص عليها وتشهد الولادة الطبيعية بيسر دون افتعال أو املاء..
المهم الان أن تبنى المؤسسات الجديدة وان تقوم الرؤية لتجسدها عملياً فالدستور بحاجة الى مؤسسات تترجم نصوصه وتحفظ سريانه فالمؤسسات الدستورية الفاعلة هي التي تخدم مكونات المجتمع الأردني وتحفظ تصالحها وقدرتها على صيانة الوطن ومصالحه العليا..
وفي الوقت الذي تجتاح فيه رياح التغيير بلداناً عربية وعواصم لم تقو على قراءة الواقع واعادة انتاجه فكان العنف والدم والدمار والصدام وقد رأينا ذلك..فإن العبرة الأردنية قامت حين توجه الأردنيون الى اعادة صياغة دستور يحميهم ويوفر لهم مظلة وبوصلة ويفتح الطريق آمناً باتجاه الاصلاح..
ما أنجز الآن نتطلع للمزيد منه وهو امتحان لكل القوى الناشطة لتطبيقه وتمثل سيادة القانون فقد بقينا دائماً بحاجة الى صرامة الدستور وإلى رشد التشريعات وحصانتها..والى تفعيل الدستور والا ما قيمة تعديلاته؟
في الحصاد كثير من المتغيرات التي تفضي الى اخرى وقد جاءت الثمار على شكل انشاء محكمة دستورية وتأسيس هيئة مستقلة للاشراف على الانتخابات ومنع تأجيلها وعدم سن قوانين مؤقتة وعدم السماح بالتغول على السلطات الأخرى من التنفيذية وعلى وجوب تعيين القضاة من مجلس القضاء الأعلى وعلى محاكمة الوزراء أمام القضاء وكذلك الطعن في النيابة في نفس المكان والى المشاركة الأوسع بتخفيض سن الشباب المرشحين الى 25 عاماً والحكومة التي تحل البرلمان تذهب معه ولا تستفيد لاجندتها من حلّه..
نعم انطلقت صافرة التغيير والاصلاح وتحرك القطار الى محطته الاولى لتتواصل الرحلة التي ندعو لها جميعاً بالوصول الى أهدافها ودوام سلامتها..(الراي)