اللحم والعظم والهبرات تعرفني

تحول شراء اللحم من قضية غذائية إلى مؤشر اجتماعي ثقافي. والأمر يبتدئ من لحظة الشراء حيث يتوزع المشترون بين مستويين:
جماعة "أوقية مفرومة" و"أوقية راس عصفور وخفف دهنها" وصولاً إلى "نص كيلو بعظمها", يقعون في أسفل السلم الاجتماعي اللحمي. على الجهة المقابلة في أعلى السلم تقع فئة أخرى يدخل الواحد من أعضائها إلى الملحمة ويتوقف عند الباب فيلفت انتباه البائع, ويتبادلان التحية بالإشارة, ثم يحرك الزبون يده اليمنى إلى الأسفل وهي مفتوحة الأصابع بحركة تشبه القطع بالسيف, فيسأله اللحام: "كالعادة?" فيرد مبتسماً: "كالعادة", وقد يضيف وهو يؤشر بالسبابة فقط هذه المرة وبحركة على شكل دائرة كاملة قائلاً: "وبرجعلك". في هذه اللحظة قد يعمد اللحام -وهو ينظر إلى باقي المشترين بتشفٍ- إلى البدء بسن سكينين كبيرين بجعلهما ينزلقان فوق بعضهما, ثم يسود صمت بين الحضور ويتجنب كل منهم النظر إلى الآخر, فيما قد تصدر من أجرأهم همهمة غير واضحة المحتويات غير أنها تعبر عن مشاعر طبقية واضحة جداً.
إن حركة الزبون تلك تعني أنه يريد نصف خروف على أن يتصرف به اللحام جرماً وفرماً وتقطيعاً بحسب صيغة متعارف عليها بين الطرفين مر عليها زمن معقول.
لا يحتاج مثل هذا الزبون إلى الوقوف فوق رأس اللحام. إن تصميم "الكاونتر" لا يتيح للزبون إمكانية أن يرى حركات يد اللحام بشكل جيد, ولهذا يضطر الزبائن إلى إتباع تكنيك نظرة الديك الذي يراقب حبة قمح, وهي النظرة التي تسمى "التشنيك", ولكنه هنا "تشنيك" جماعي مع عدم القدرة على الاحتجاج.
أكتفي هنا وأترك للقارئ فرصة تتبع التنوع في التركيب الطبقي للأردنيين منظوراً إليه من زاوية لحمية.(العرب اليوم)