لقد قرأنا هذا «القرار الاتهامي» من قبل ؟!

لست ممن يؤمنون بـ»نظرية المؤامرة»، ولقد كتبت في هذه الزاوية عشرات المرات، مندداً ومفنداً...لكنني أستميحكم عذراً بأن نَمرّ سريعاً في ثنايا وسراديب، التقرير المنشور في الرابع والعشرين من كانون الأول/ديسمبر 2008، أي قبل ما يقرب من الثلاث سنوات، عندما لم تكن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان قد تشكلت، وعندما لم يكن الضباط الأربعة الذي اعتقلوا على خلفية جريمة اغتيال الحريري، قد أفرج عنهم، وعندما لم تكن شبكات التجسس الإسرائيلية قد بدأت بالتساقط والانهيار تباعاً، وبالطبع عندما لم يكن القرار الاتهامي عن المحكمة (صدر قبل أيام) قد صدر بعد.
التقرير الذي نشره موقع «الحقيقة» السوري المعارض، وأعادت دير شبيغل نشر (سرقة) مقاطع رئيسة منتقاة منه، بعد ستة أشهر على نشره (25 أيار/ مايو 2009)، ومن دون أن تشير للمصدر، يقول ما يلي:
ينقل الموقع عمّن وصفه بـ»مسؤول قانوني كبير» في عداد الطاقم المؤسس للمحكمة الخاصة بلبنان، والتي من المنتظر أن تنطلق رسميا بعد ثلاثة أشهر من تاريخ النشر، أي في مطلع آذار / مارس 2009» قوله: «إن أصابع الاتهام ستوجه إلى حزب الله وقائده العسكري عماد مغنية، الذي اغتيل مطلع العام الجاري (13 شباط / فبراير 2008) في دمشق، و كوادر من القوات الخاصة التابعة لحزب الله، على رأسها المدعوان عبد المجيد غملوش والحاج سليم، ومن خلفهما أحد ضباط الحرس الثوري الإيراني ( الجنرال قاسم سليماني)...لم يذهب التقرير بعيداً عن ذلك، برغم تداخل الأسماء وتشابهها وتقاطعها.
ينسب الموقع إلى مصدر قوله «أن الرائد وسام عيد (اغتيل في 25 يناير 2008)استطاع في نهاية المطاف أن يحدد ثمانية أرقام لهواتف نقالة جرى شراؤها وتشغيلها في وقت واحد من مدينة طرابلس شمال لبنان قبل عملية الاغتيال بحوالي ستة أسابيع، وأن هذه الهواتف استخدمت فقط لمراقبة تحركات الحريري حتى يوم اغتياله. وتبين أن الاتصالات التي جرت فيما بين أصحاب هذه الهواتف كانت بمثابة «الدائرة الأولى للجحيم» (الشبكة الحمراء كما أسماها تقرير بيلمار) ، بينما كانت دائرتها الثانية (الشبكة الخضراء وفقاً للتقرير ذاته) عبارة عن 20 رقما آخر لهواتف نقالة تبين أنها جميعها مملوكة لعناصر من حزب الله ينحدرون من الجنوب اللبناني، وبشكل خاص منطقة النبطية (اقرأوا دوائر بيلمار وشبكاته كما كشف عنها القرار الاتهامي الصادر بعد ثلاث سنوات).
يضيف الموقع «أن تقرير «الشعبة – شعبة الأمن والمعلومات المحسوبة على تيار الحريري» يشير إلى أن جهاز أمن حزب الله هو الذي تولى عملية شراء سيارة الميتسوبيشي التي استخدمت في التفجير ونقلها من اليابان إلى طرابلس، وإلى أن المواد المتفجرة المستخدمة، وهي أكثر من طن من مادتي TNT و C4 أو « الهيكسوجين» ، مصدرها مستودعات حزب الله في منطقة الهرمل قرب بعلبك. والحزب هو الجهة الوحيدة في لبنان التي تملك كميات كبيرة من هذه المواد، بالنظر لأنه استخدمها على مدى سنوات طويلة في تجهيز العبوات الناسفة ضد المدرعات والقوافل العسكرية الإسرائيلية قبل تحرير جنوب لبنان وبعده، وهذا ما جاء بنفس الصياغة تقريباً في لائحة الاتهام.
وفي سياق ما يمكن تسميته «بناء سيناريو اتهام حزب الله»، نقل الموقع عن مصدر فرنسي قوله «أن أول ما ستقوم به محكمة الجنايات الدولية فور انعقادها في آذار / مارس القادم هو إطلاق سراح الضباط اللبنانيين الأربعة المعتقلين على ذمة القضية ( جميل السيد ، ريمون عازار ، علي الحاج ، مصطفى حمدان)، فضلا عن الثلاثة المدنيين الآخرين (من عائلة عبد العال) الذين اعتقلوا بتهمة بيع أرقام هواتف نقاله للمجرمين المشتبه بهم....وأن هذا لن يتجاوز في حده الأقصى نهاية أيار / مايو القادم (أفرج عنهم بتاريخ 29 نيسان / أبريل 2009)، أي بعد أربعة أشهر من نشر هذا التقرير على الموقع المذكور). وذلك بعد أن ثبت لدى لجنة التحقيق أن اعتقالهم « كان مكيدة سياسية ـ مخابراتية وقفت وراءها جهات (لا نريد ذكرها لكي يرى هذا المقال النور).
الموقع في سياق الكشف عن «مسار بناء السيناريو المذكور»، نقل عن المصدر ذاته قوله أيضاً «أن اتهام حزب الله رسميا بالوقوف وراء جريمة اغتيال الحريري ستسبقها عملية «كبيرة لتلميع» وجه شعبة المعلومات في وزارة الداخلية اللبنانية، ورئيسها العقيد وسام الحسن (المحسوب على تيار الحريري)....»ولهذا جرى الاتفاق بين الجهات المعنية على قيام شعبة المعلومات بشن حملة اعتقالات واسعة ضد عناصر لبنانية، بعضها من الرموز السنية المشهود لها بتاريخها الوطني، بتهمة علاقتها مع الموساد، ومساعدة إسرائيل ضد حزب الله (تم الكشف عن عشرات الشبكات الإسرائيلية منذ ذلك التاريخ، وبدور نشط من «الشعبة» التي صارت «فرعاً»)....والهدف هو «إحراج حزب الله لاحقا وإضعاف قدرته على التشكيك بشعبة المعلومات حين تعمد إلى اتهامه باغتيال الحريري من خلال المعلومات التي قدمتها إلى دانيال بلمار «....ونقل الموقع عن المصدر تأكيده «أن حملة شعبة المعلومات ضد عناصر لبنانية مشبوهة بالتعامل مع الموساد سيجري إطلاقها خلال الأشهر القليلة القادمة ، وتحديدا بعد انطلاق المحكمة الدولية وتبرئة الضباط الأربعة « (وهذا ما حصل بالضبط وبنفس التسلسل الزمني). ويضيف المصدر «أن شعبة المعلومات تعرف منذ سنوات عديدة العشرات من اللبنانيين المتعاملين مع الموساد، وكانت تغض النظر عن نشاطاتهم واتصالاتهم مع إسرائيل. ولن يضيرها أن تحرق البعض منهم بطريقة إعلامية استعراضية إذا كان الغرض من ذلك تبييض صفحتها وإعادة الاعتبار لسمعتها أمام قسم واسع من الرأي العام اللبناني وتحقيق الهدف الأساسي المتمثل باتهام حزب الله باغتيال الحريري دون أن يستطيع الحزب التشكيك بنزاهتها ووطنيتها «!
تابعوا تسلسل الأحداث منذ ذلك التاريخ حتى اليوم، ألا يبدو لكم أنها انتظمت وفقاً لـ»نظرية المؤامرة»...اسمعوا ما يردده قادة 14 آذار عن الدور المُجلّي لشعبة/فرع المعلومات في مطاردة جواسيس الموساد، أليس هذا ما تنبأ به التقرير سلفاً/، وقبل أن يحدث بسنوات؟...ألم يلجأوا إلى «حكاية شبكات التجسس» بوصفها الدليل الذي لا يدحض على وطنية ومهنية وإخلاص هذا الجهاز، ودائما بهدف إعطاء مزيد من الصدقية على المحكمة والفرع الذي زوّدها بكل ما تحتاجه...أليس من حقنا أن نتساءل عن «المؤامرة» خلف كل ما يجري حولنا؟...وإلا هل ثمة من يستطيع منكم أن يفسر لي كيف أمكن لسيناريو كامل من هذا النوع، أن يرى النور، وتقريباً بنفس التفاصيل، بعد ثلاث سنوات من نشر كامل حلقاته وفصوله، على «موقع الحقيقة» أولاً، وفي دير شبيغل بعد ستة أشهر؟!.(الدستور)