لن نقول : «عيد بأية حال عدت يا عيد»

لأول مرة منذ سنوات طوال (لا أذكر كم من السنين)، لن نردد هذا العام قول الشاعر: «عيد بأية حال عدت يا عيد...»...العيد سيطل علينا بعد أيام، والأمة تتجه لاستعادة زمام مبادرتها...والعرب يصنعون ربيعهم بأيديهم، ويتحملون تبعاً لذلك أفدح الأثمان...العيد يشرق على الأمة، فيما فجر الحرية والكرامة والسيادة ينبلج في غير دولة وعاصمة...لقد ولّى زمن «انتظار غودو»...وها هي رياح التغيير قد عصفت بولايات ثلاثة من الطغاة و»قصفت» أعمار عهودهم الثقيلة، والبقية ستأتي.
لم يشرق «العيد» على جميع الدول العربية بذات الطريقة...هناك دول ومجتمعات ما زالت ترسف في قيودها وأغلالها...السودان فقد أزيد من ربع أرضه وسكانه «بين عيدين»...فاتورة الدم في سوريا لم تغلق بعد، ما زالت مفتوحة و»الحساب يجمع»...الوضع في اليمن ما زال أسير المبادرات والحسابات و»التحسبات» التي تنتمي في غالبيتها، لجواره وليس له على وجه التحديد.
فلسطين، من بين دول عربية عديدة، لم ينبلج فجرها بعد...الاحتلال جاثم على الصدور...و»ربيع العرب» يصطدم بالحواجز الإسرائيلية والفلسطينية على معبري رفح وحاجز قلنديا على ما يبدو...وهبوب التغيير لم تتمكن من العبور الآمن إلى شطري الوطن المحتل....وخيار المفاوضات استبدل بـ»خيار الجمعية العامة» من دون أن يظهر في الأفق ما يدلل على أن «طريقه نافذة»...أما خيار المقاومة، فيخرج من «هدنة» إلى «تهدئة»، برغم التصريحات النارية عن «الردود المزلزلة» وغير ما هنالك.
لا نعرف كيف سيطل علينا العيد المقبل (العيد الكبير)...بعد عشرة أسابيع أو أزيد قليلا...مَن مِن الحكام سيؤدي صلاة الجمعة وسط حشد من المريدين والإعلاميين...هل سنرى علي عبد الله صالح يؤم المصلين في صلاة العيد...هل يؤدي الرئيس الأسد زيارته المعتادة للمسجد الأموي في قلب دمشق...لا نعرف تماماً ما الذي سيحصل، لكننا نعرف أن العرب وضعوا أقدامهم في «صلب» مرحلة انتقال طويلة، مريرة ومديدة، والأرجح أن أعياداً عديدة ستمر، قبل أن نقوى على تمييز الدخان الأبيض من الدخان الأسود.
قلة هي الدول والمجتمعات العربية التي يمكن أن نرى ملامح أيامها القادمة...ولحسن الحظ، فإننا في الأردن من بين هذه القلة من الدول العربية...لقد أقدم الحكم على ملاقاة الشارع في «نقطة» على الطريق،خطوة التعديلات الدستورية، وصفناها بأنها خطوة في الاتجاه الصحيح، تحتاج إلى مزيد من التفعيل والتطوير، وإلى خطوات لاحقة، تستعيد الثقة وتعيد الزخم للحراك السياسي والتحول الديمقراطي...لا يشبهنا فيما نحن فيه وعليه في هذا السياق، سوى المملكة المغربية، التي بمقدور المراقب أن يرصد حراكها القادم، وربما لسنوات عدة آتية.
لا نعرف كيف ستتبدل المواقع والمواقف في قادمات الأيام والأزمان...لكن حراكاً جذرياً يجري في غير عاصمة...وثمة تبدل في مواقع أطراف عديدة...من كان يتخيل أن توجه القاهرة «إنذاراً» لإسرائيل في قضية العدوان الشامل المحتمل على غزة...ومن كان يتخيل أن تستجيب إسرائيل لهذا الإنذار....من كان يتخيل أن تصبح تركيا لاعباً مهما في القرن الأفريقي، الذي ظل مزرعة لكل اللاعبين (ما عدا العرب)...من كان يتخيل أن مصر للطيران، ستدشن خط استعادة العلاقات بين القاهرة وطهران، بعد انسداد طال واستطال، وامتد لأكثر من ثلاث عشريات من السنين.
عالم متغير باطّراد...عالم متغير بسرعة مذهلة...بعد أربعين أو خمسين سنة من الركود والاستنقاع...ها هي المنطقة تمور بكل عوامل التغيير وشروط الانتقال....ثمانية أشهر أو أقل قليلا، كانت كفيلة بأن تقلب الأمور رأساً على عقب، وأن تغير»انطباعات العالم الراسخة» عن هذه المنطقة....ثمانية شهور هزّت العالم.
سنصافح بعضنا بعضا في العيد...لن نتلفظ بعبارة عيد بأي حال عدت يا عيد...سنقول كل عام وأنت بخير...وإلى مزيد من التقدم والنجاح على دروب الإصلاح والتغيير ... إلى مزيد من التقدم والنجاح على دورب استرداد الحقوق الوطنية والقومية المغتصبة....فحرية الأوطان من حرية مواطنيها...وتحرير الأرض لا يكتمل من دون تحرر الإنسان.(الدستور)