العيد بمذاق الحريَة

هذا العيد له مذاق عربي خاص,فهو ممزوج بعطر الحريّة المنعش,وطعم الكرامة اللذيذ,والشعور بلذة الجهاد ضد الطواغيت والمستبدين الذين نافسوا المستعمرين الأجانب بالتسلط والقمع والإذلال والنهب والسلب والسطو على مقدرات الأمة,بل أنهم سبقوا المستعمر بالغطرسة والجرأة على القتل والتعذيب وتهشيم الرؤوس والإعدام بالجملة.
مشكلة »المستعمر الداخلي« والقاتل المستبد المحلي, والسارق من داخل الدار,أنه يقتل ويسرق وينهب مع الشعور بالشرعية, وأنه يمارس كل هذا تحت ستار أنه صاحب الحق,وبلا وخزة من ضمير, ومن دون إحساس بالذنب أو التأنيب, وكأنه يحّمل الشعب نوعاً من الجميل أن بحمد الله صباحاً ومساءً أنه لو لم يسرق قوت الجماهير وكدّ العمال والفلاحين لكانت قد ذهبت الى الغريب والمستعمر.
بمعنى آخر يريد الطاغية المستبد أن يسرق ويعذب ويبرطع وفي الوقت نفسه يريد من الشعب أن يصفق ويزمّر ويرقص ويغني طرباً من باب الامتثال للمقولة الشعبية "ضرب الحبيب زبيب".
هذا العيد عيدان بل أعياد كثيرة في تونس ومصر وليبيا, هذه الشعوب التي قدمت مهر التحرر آلاف الشهداء والجرحى والمصابين, لكنهم استيقظوا أخيراً على زوال الكابوس المتأله,الذي كان رمزاً لتخلفهم وإذلالهم واستعبادهم وامتهانهم والدوس على كرامتهم, ليشعروا بلذة الحلم,حلم التقدم الى الأمام, وحلم النهوض والتحضر الذي تصنعه سواعد الشعب المتحدة في إطار العدالة والمساواة والقدرة الجماعيّة على تقرير المصير, والقدرة الجماعية على اختيار السلطة والحكم, والقدرة الجماعية على منح الشرعية لصاحب السلطة,والقدرة الجماعية على المراقبة والمحاسبة الحقيقية,والقدرة الجماعية على سلب هذه الشرعية في أي وقت لمن يتعسف باستخدام السلطة ولمن يسيء الى أمته وشعبه, ولمن يخون وطنه وأهله.
المنغص الوحيد في عيد الحرية والكرامة, أن هناك من بيننا من يشتم ثورة النهوض العربي ويكيل لها الاتهامات جزافاً, ويبشر بعهد استعماري جديد, ويسيئون الى ثورة الإصلاح العربي بأنها لا تحمل برنامجاً سياسياً, ولا رؤية, وإنها رجوع الى الخلف.
هؤلاء يستحقون الرثاء, لأنهم وجدوا أنفسهم خارج التاريخ وخارج سياق المسار الشعبي الحتمي الذي يسير بقوة صوب الحرية والاستقلال التام, وأصبحوا عشية الثورة الإصلاحية العربية يملكون بضاعة كاسدة,وبقايا أفكار عفى عليها الزمن.
لا ادري كيف يتباكى بعضنا على القذافي وهل تتصور الإنسانية أن هناك نظام حكم أبشع وأكثر سوءاً واشد بؤساً وقتامة من هذا النوع من الحكم, وما هو الفرق بين هذا النوع من الطغيان والاستبداد وما سبقه من عهود ظلامية بائسة.
إن الشعوب العربية الثائرة التي استطاعت أن تحطم عروش الطواويس سوف تكون قادرة على الوقوف في وجه التدخل الأجنبي, ولن تسمح بعودة الاستعمار العربي أو الشرقي أو المحلي, بل إن إشعال الثورة عند الاستعمار الأجنبي أسهل واقل تكلفة من إشعال الثورة عند المستبد المحلي.
وهل غاب عن هؤلاء أن الأنظمة العربية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالدوائر الأجنبية,وهل يخطر على عقولهم ومداركهم أنهم رهنوا كل مقدرات دولهم وشعوبهم من اجل إرضاء الدول الكبرى,وأنهم دفعوا أثماناً باهظة من دماء شعوبهم لنيل رضا الدول الاستعمارية.
أما القول عن تدخل الدول الكبرى من اجل المساندة في التخلص من هؤلاء فهو فقط من باب كسب ود الثورات العربية المنتصرة للحفاظ على مصالحهم المستقبلية,بعد أن تأكدوا من حتمية زوال هذه الأنظمة الفاسدة المهترئة التي فقدت منذ زمن بعيد كل مبررات وجودها الشعبي.
لكن الثورات العربية من الذكاء وسلامة البصر والبصيرة بحيث تدرك الاعيب الدول الاستعمارية التي أعلنت الحرب على الإسلام تحت عنوان الحرب على (الإرهاب) وجعلتها حرب القرن, لكن إرادة الشعوب الحرة الواعية المدركة ستنتصر في النهاية على أعداء الداخل والخارج بدرجة سواء.(العرب اليوم)