الملخومون

مرت عقود من الزمن كان التحليل السياسي فيها أمراً سهلاً ومتيسراً أمام الجميع, فالدنيا عند المحللين كانت محكومة بمعسكرين: الأول يضم الأنصار والثاني يضم الأعداء. ففي منطقتنا مثلاً, وعند اليساريين والقوميين, كانت أغلب التحليلات تستند إلى التضاد بين معسكر الشعوب وحركاتها التحررية الوطنية والقومية المتحالفة مع الاتحاد السوفياتي يضاف إليها القوى المناهضة للرأسمالية في الدول الرأسمالية نفسها, وبين معسكر آخر للأعداء يضم الامبريالية والصهيونية والرجعية العربية. وبالطبع كان الأمر يختلف قليلاً عند القوى الإسلامية التي رغم ابتعادها عن الشأن السياسي المباشر إلا أنها كانت تعتبر الدين أساساً لتحديد المعسكرات والأحلاف, ولذلك كانت الاشتراكية والشيوعية أول الأعداء باعتبار أن الصهيونية والرأسمالية تضم أهل الذمة.
وعند طرح أية قضية كان المتحدث أو المحلل يسارع إلى وضعها في موقعها الذي يراه مناسباً في علاقة المعسكرين المتضادين بشكل يتيح له الخروج بالتحليل المناسب. أما اليوم فقد الوضع اختلف جذرياً, وللاختصار نأخذ حالة ليبيا مثالاً:
في ليبيا توجد ثورة بدأها الشعب, ولكنها مدعومة من حلف الناتو الذي أمضى القذافي آخر سنوات حكمه وهو ينسق معه ويلتقط الصور التذكارية مع قادته, وهي أيضاً مدعومة من دول الخليج ودول أخرى كانت في الزمن السابق جزءاً من الرجعية العربية, وهي ثورة يتصدر قيادتها طيف واسع من خصوم القذافي وبعض أنصاره ابتداءاً من عبدالحكيم بلحاج خريج غوانتانامو إلى محمود شمام رئيس التحرير السابق للنسخة العربية من صحيفة النيوزويك الأمريكية مروراً بعبدالسلام جلود, فيما يقف ضد الثورة الرئيس الفنزويلي شافيز وقادة ثورات أخرى في أمريكا اللاتينية.
يمكن مواصلة عرض التناقضات بما يفسر "اللخمة" التي يعيشها المحللون السياسيون هذه الأيام.(العرب اليوم)