الدعم.. حديث لا ينتهي

الحكومة مشغولة هذه الايام بفكرة توجيه دعم الخبز الى مستحقيه, بمعنى بسيط انها تريد بيعه لغير الاردنيين بسعره غير المدعوم من الخزينة, وهو ما قد يوفر ما يقارب الـ 25 بالمئة من مستحقات الدعم الرسمي باعتبار ان هناك ما يقارب المليوني شخص ما بين سائح ووافد للعمل.
الافكار الحكومية في هذا الشأن لا تنقطع لدرجة ان المراقب يشعر بوجود شركة مختصة بطرح تلك الافكار بشكل متسلسل ودوري تباعا, وهو امر غريب للغاية علما ان القضية أبسط من ذلك التعقيد.
تارة تلجأ الحكومة الى طرح فكرة ما يسمى بالبطاقة الذكية لدعم الخبز, بحيث تمنح تلك البطاقة غير الذكية طبعا للمواطنين الذين سيتمكنون من شراء خبز مدعوم ويحرم من ذلك باقي المقيمين في المملكة, الا ان الحكومة تراجعت عن تلك الفكرة بسبب صعوبة تطبيقها من الناحية الفنية اضافة الى امتهانها لكرامة المواطن في رغيف الخبز.
وتارة تلجأ الحكومة لطرح فكرة تقديم دعم مالي مباشر للافراد بقيم ذلك الدعم المخصص لهم على كل رغيف خبز, علما ان هذه التجربة جرى تطبيقها في السنوات الماضية تحت اشكال مختلفة والنتيجة كانت الفشل لجميع تلك المبادرات, فالدعم لم يصل لمستحقيه والعجز ارتفع هو الآخر.
قصة الدعم في الاردن يشوبها خلل كبير وتكاد تكون جميع السياسات الموجهة لمعالجة تلك القضية لا تهدف الى تصحيح المسار بقدر الالتفاف على الموازنة بطرق مختلف ولاغراض متعددة.
فاتورة الدعم ما زالت مبهمة وتضيع وتتضارب ارتفاعا ونزولا بين تصريحات المسؤولين, ولا احد يعرف كيفية حسبة تلك الارقام, ولا احد مطلع على تفاصيل الدعم سوى وزارة المالية, والواقع ان مؤسسات الدولة المعنية بالاطلاع او مناقشة الموازنة العامة غير مهيأة او قادرة على معرفة تفاصيل اكثر عن الدعم سوى المعلومات التي تقدمها لهم الوزارة.
في الحقيقة مهما عملت الحكومات لمعالجة الدعم فهي لن تكون قادرة على ازالة هذا التشوه, ولا احد يعرف ان كان ذلك بقصد او من غير قصد, فالتجارب السابقة كلها تدلل على ضبابية الموقف الحكومي بهذا وتضارب السياسات.
لا يمكن معالجة قضية الدعم سواء للخبز او حتى لباقي السلع المدعومة بالآليات السابقة, الامر بحاجة الى معالجة جذرية اساس نجاحها يكون اختيار الوقت المناسب وظروف مهيأة تسبقها حملة توعوية بهذا الشأن, والهدف يكون موجها اساسا الى الغاء الدعم عن تلك السلع وتوجيه الجزء الاكبر من فاتورة الدعم الى زيادات رواتب مجزية للعاملين تغطي وتزيد ما تدفعه الحكومة.
بمعنى, اذا كانت الحكومة تخصص ما يقارب المليار دينار سنويا للدعم فان باستطاعتها ان تخصص ما يقارب النصف مليار لزيادات غير تقليدية على الرواتب وتوجه جزء كبير من المبلغ المتبقي الى مشاريع تنموية في حين يبقى جزء يسير من الدعم للشريحة الاكثر فقرا او التي تحصل على معونة وطنية.
بهذا الشكل ينتهي الجدل حول الدعم وتنتهي تلك الاسطوانة التي تتغنى بها الحكومات وتثير هلعا لدى المواطنين وتؤثر على استقرار المملكة بأفكار جدلية لا تغني ولا تسمن من جوع.(العرب اليوم)