احدى عشرة دقيقة من عمان الى رام الله

لا احد يريد ان يصدق ان اسرائيل الاكثر استفادة مما يسمى عملية السلام لانها تشتري الوقت وتكمل مخططها بابتلاع فلسطين،وبناء المستوطنات ومصادرة الاراضي،واسرائيل ومعها حلفاء عرب وغربيين،لن يسمحوا باقامة دولة فلسطينية،على الارض،لان الكلام العلني شيء،والسر الخفي شيء آخر.
نصف اراضي الضفة الغربية باتت مستوطنات،ومروان المعشر وزير البلاط الملكي سابقاً يقول بجرأة قبل سنوات،ان حل الدولتين في فلسطين،بات مستحيلا،لان الضفة مقطعة الاوصال،ولان غزة محاصرة،ولان اقامة دولة فلسطينية على ارض الواقع بات غير ممكن.
سافرت قبل سنوات بالهليوكبتر العسكرية الاردنية من مطار ماركا الى رام الله،وقبل ان تهبط الطائرة العسكرية،في مقر الرئاسة الفلسطينية،والرحلة استغرقت احدى عشرة دقيقة،تكشف ان المستوطنات في كل مكان،وان مدن الضفة محاطة ومخترقة من كل جانب،بهذه الكتل البشرية والاسمنتية.
طائرة الهليوكبتر ولاسباب امنية وفنية دارت فوق رام الله،والمناطق المجاورة قبل ان تهبط،وكان مثيراً جداً ان تتألم عينك لما تراه،فالمستوطنات في كل مكان،وبيوت الفلسطينيين محاطة بهذه المستوطنات،وكأنها ندرة في تلك الجبال العزيزة والغالية،فتسأل نفسك عن اي دولة نتحدث ،واسرائيل تحفر وتبني،والعرب ينتظرون كرم اسرائيل!.
معنى الكلام ان حصول الفلسطينيين على اعتراف عالمي بالدولة المنتظرة لن يغير من الواقع شيئا،هذا على افتراض الحصول على هذا الاعتراف دون عراقيل،فقد حصل الفلسطينيون سابقا على قرارات ُترّسم حدود السبعة والستين،وتحدد حقوق اخرى،لكنها بقيت حبراً على ورق،ولم تغير من الواقع شيئا.
ليس احباطاً.هذه قصة اسرائيل التي لا تريد دولة فلسطينية،ولن تسمح بها ابدا،ومعها من يساندها من عرب واجانب،ولكل طرف حساباته المعلنة والسرية،وقد استفادت اسرائيل منذ توقيع اتفاقية اوسلو حتى اليوم،بحصولها على اعترافنا بشرعية دولتهم،والتنازل عن فلسطين الثمانية واربعين،وحصر فصائل المقاومة سابقاً تحت نظرها ويدها في الضفة،وخنق حماس في غزة،ومواصلة المشروع الاسرائيلي بقوة بالغة،ولو اجرينا دراسة على مانفذته اسرائيل خلال ثمانية عشر عاما فائتة،لاكتشفنا انها قطعت مسافة ليست سهلة في مشروعها،فيما نحن نتحدث عن السلام،والعودة الى مائدة المفاوضات،الى آخر هذه المتاهات.
ننشغل هذه الايام بقصة الاعتراف العالمي،ونتناسى الحقائق على الارض،وهي حقائق تقول لك ان الوضع سيئ جداً،وان نصف اراضي الضفة،اي اراضي الدولة المنتظرة،بيد اليهود،لتسأل نفسك عن كيفية اقامة الدولة لمجرد الاعتراف المعنوي او السياسي او القانوني،مادامت حقائق الارض تغاير نتائج الاعتراف،لو حصل.
كارثة الفلسطينيين هي في بعض رموزهم الذين اسهموا بهذه النتيجة المأساوية،وببعض العرب الذين تآمروا على فلسطين ايضاً،ولايريدون لها ولو دولة صغيرة.
اذ يقول لنا الله ان لاحل لها الا التحرير،نضيع الوقت في البحث عن حلول اخرى،ونحن هنا كمن يركض وراء السراب،فقد انار الله بصيرتنا بالحل،لكننا تعامينا وصدقنا،ففشلنا وخسرنا كل شيء.
ماأعمى بصيرتنا.(الدستور)