نعم للمصداقية والشعبية

ذات يـوم قال رئيس وزراء سابق أن حكومته تسـعى للمصداقية وليس للشعبية، هذا القـول قوبل أحياناً بسوء فهم، وظن البعض أن رئيس الحكومة لا يهتم بالرأي العام، ولا تهمه صورته في نظر الناس طالما أنه يتخذ القرارات الصحيحة التي توصف أحياناً بالصعبة.
تـدل التجارب السابقة أن بعض الحكومات كانت تصـدر التصريحات للتغطية على واقع معين، فهي تعلن تأييدها لحرية التعبيـر لتغطي على عمليات القمع لتلك الحرية، وتدّعي بالشفافية وهي تحجـب المعلومات وتمنع التصريحات، وتتبرأ من الشعبية لتغطي سعيها للشـعبية وهكذا.
بموجب هـذه النظرية يمكن الاستنتاج أن الحكومة مهتمة جـداً بشعبيتها وتجنب القرارات الصعبة ما أمكن، الأمر الذي يفسر اسـتمرار دعم الخبز مهما ارتفع سعر القمح، ودعم أسـطوانة الغاز مهما ارتفع سعر البترول، ودعم تعرفـة المياه مهما شـحت المصادر، ودعم الكهرباء مهما ارتفعت كلفـة التوليد.
كل حكومات الدنيا تسعى لرفع شـعبيتها. وتقوم استطلاعات الرأي العام بقياس شـعبية الرؤساء والمسؤولين لتجد أنها ترتفع وتنخفض حسـب مستوى الأداء الاقتصادي، وكيفية إدارة الأزمات، وحجـم الإنجازات والسلبيات.
لدينا اعتقـاد خاطئ أو مبالغ فيه بأن شـعبية أية حكومـة لا تؤثر على شرعيتها وبقائها، وأن الشـعبية العالية لم تأتِ بالحكومة، وانحدار الشـعبية لن يذهب بها. وهو اعتقـاد خاطئ لأنه يفترض أن صاحب القـرار فيمن يجـيء أو يذهب لا يتابع اتجاهات الرأي العام، ولا يأخذها بالحسبان، مع علمه بأن الحكومة التي لا تتمتع بالشـعبية تسـحب على رصيده.
الشـعبية رأسمال يتمكن صاحبه من استعماله لتمرير قراراته الصعبة اعتماداً على الثقة التي يتمتع بها، لكن الشـعبية رأسمال قابل للنفـاد إذا استمر السحب عليه، ويجب أن تستمر الحكومة بتغذيتـه.
المصداقية هامة، وهي الأساس الأول الذي تبنى عليه الشـعبية، إذا لم نكن نتحدث عن الشـعبية الرخيصة والعابرة. والمصداقية تكون بالالتزام بالمصلحـة العامة الراهنة والمستقبلية، ومواجهة المشكلات بصراحة وجرأة، فالمسؤول الحق يقـود الرأي العـام ولا ينقاد له، وإلا فهو مدير وليس قائداً.
مصداقية وشعبية الحكومة قابلة للحركة بالزيادة أو النقصان حسب السلوك والإنجاز كما تدل استطلاعات الرأي التي يجريها مركز الدراسات الإستراتيجية في الجامعة الأردنية.(الرأي)