حازم نسيبة يتذكر !

لم اقرأ كاتباً ومفكراً وسفيراً ووزيراً بصفاء تفكيره وقدرته على التذكر والسرد بموضوعية وامساكه بمواقفه المبدئية وعدم تقلبه عليها..
على مدى سنوات عمره الطويلة من ولادته في ايار عام 1922 وعلى امتداد (556) صفحة نشر الدكتور حازم نسيبة سيرة حياته والتي هي سيرة محملة بالمحيط المقدسي والعربي والدولي روى فيها باسلوب شيق ولغة جميلة ذكريات خصبة وموثقة منذ طفولته في القدس التي لم تفارق عمله وخاطره ووجدانه وقد وعى عليها منذ الانتداب البريطاني حيث مقر حكومة الانتداب قبل وقوع النكبة.. ومع ما رافق النكبة وتبعها من وقائع ما زال الشعب الفلسطيني يكابدها حتى اليوم وسيظل يكابدها حتى يستعيد حقوقه في وطنه..
حازم نسيبة الذي خبر المنابر الدولية وخبرته وقد حمل الاردن وقضية فلسطين عبرها مدافعا عن القضية المقدسة... من مجلس الامن الى الجامعة العربية والى عواصم شرق الارض وغربها والى مئات المؤتمرات والندوات..
لقد مثل حازم نسيبة الاردن وتخصص في تمثيلها في كل سنوات عمره ومحطات عمله. ولذا جاءت هذه السيرة لا لتدون حياته الخاصة ونشاطاته وانما لتدون مسيرة من تطور وبناء الاردن ومتابعة هذا البناء الذي انطلق ليعلو وتمتع باحترام العالم..
على مدار اسبوع كامل صاحبت كتاب الدكتور نسيبة ( ذكريات مقدسية ) وصاحبني فكان معي في مصر وهي التي شهدت جزءا كبيرا من ذكريات الكاتب ومحطات عمله في اكثر من موقع ومنصب تقلده..
القدرة المدهشة للدكتور نسيبة على التذكر لفتت انتباهي واعتقد انه كان يدون في اوراقه الخاصة الكثير من التفاصيل والا لما جاءت هذه الذكريات وهذه السيرة ناصعة بالمعلومة والوقائع على هذا الصفاء...
كتاب الدكتور نسيبة يقتحم المكتبة العربية والعالمية بنسخته الانجليزية ويبطل الكثير من الروايات التي وجدت فراغا فملأته الى ان جاءت رواية الدكتور نسيبة لتكنس الكثير من تلك الروايات وتصحح العديد من المسارات بالتوثيق والربط والمعلومة ولذا اخذ هذا الكتاب مكانته بين الالاف من الكتب التي دارت في فلك هذا الموضوع او توقفت عنده ولكنها لم تبلغ في موضوعيتها وصدقها ما بلغة كتاب الدكتور نسيبة
كنت شهدت مولد كتاب الدكتور نسيبة الأخر «نحن والعالم» والذي كنت اطلعت على مسودته قبل ان يدفعه الدكتور نسيبة في الثمانينات من القرن الماضي الى مطابع دار الشعب حين كنت رئيسا للتحرير في صحيفتها وكان له ايضا كتاب عن تاريخ الاردن السياسي المعاصر..
لقد ظل الدكتور نسيبة في كتبه العديدة ومقالاته يفند ما تعرضت له الدبلوماسية او المواقف السياسية الاردنية امام أي نقد ظالم او هجوم وافتراء... وكان ان ردّ على بعض ما جاء في كتاب المؤلف اليهودي « افي شلايم» وعنوانه « اسد الاردن» والذي تناول فيه المؤلف سيرة حياة الملك الراحل الحسين بن طلال..
حازم نسيبة مدرسة في العمل السياسي والدبلوماسي لديه قدرات متميزة على الكتابة والتاليف مكنته من ان يضع تجربته على الورق ويجعلها في متناول الدارسين والباحثين والمتابعين وقد جرى تناول كتابه الاخير المهم «ذكريات مقدسية» والصادر عام 2010 عن دار رياض الريس في لندن وذلك في العديد من وسائل الاعلام وخاصة صحيفة الراي التي كتب فيها عديد من الكتاب والقراء عن هذا الكتاب..
سيظل كتاب الدكتور نسيبة يفتح على مساحات تاريخية واسعة ويزرعها بالاضاءة والمعرفة ويؤصل احداثها وحتى لا يكون كتاب نسيبة يتيما او لا يجد من ينافسه فانني اتمنى على معاصري فترة نسيبة من السياسيين والدبلوماسيين والمفكرين والكتاب ان يثروا هذه المرحلة بكتاباتهم وخاصة ما كتبه السيد زيد الرفاعي من مذكرات وما ورثه عن والده من مذكرات ما زالت طيّ الادراج !!!
الكتاب مدهش لم اتمكن في هذه العجالة من تقديم الوقائع والحوادث والقصص منه وهي تستوقف الكثيرين ممن عاصروا او حتى ممن يقرأون.. (الرأي)